الثلاثاء، 12 يوليو 2011


وقف محطة الحجاز

عُرفت الأوقاف أو الأحباس منذ دخول الرسول الكريم المدينة المنورة، لتسود في كل أمصار الإسلام كونها عاملاً مهماً من  عوامل الرُقي والتقدم الحضاري الإسلامي، حيث شملت الأوقاف المجالات كافة سواء الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية والعسكرية.

والوقف: (( The  Trust )) يعني ما قاله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (( احبس أصلها وسبل ثمرتها )) أي عدم التصرف في الأصل الموقوف، والتصرف، في عوائده واستثماراته في مجالات البر والإحسان، وعليه اعتبرتْ لأموالِ الأوقاف حُرْمةٌ مستمدةٌ من الجهةِ الموقوفِ عليها، فما كان حقاً لأشخاص موقوف عليهم، فحرمته حرمةُ مالِ الغير وحقوقه، وما كان لمصالح دينية أو عامة أخرى، فحرمته حرمةُ حقوقِ الله تعالى والأموال العامة التي تتعلق بها حقوقُ الجماعة.

الجانب التاريخي لنظام الوقف، أديرت الأوقاف سابقاً من قبل النظّار والمتولين الذي يعينهم الواقفون، وكان القضاة يحكمون وفق المذاهب التي ينتمون إليها، وحصر القضاء الأوقاف في الفترة العثمانية بالمذهب الحنفي فقط، مما سبب توسّع الفروع الفقهية المتعلقة بالوقف في هذا المذهب، مع تطوّر المعاملات، وقد صدر قانون نظام إدارة الأوقاف في العهد العثماني بتاريخ: 19 جمادى الآخرة سنة 1280 هـ، ثم صدر قانون انتقال المسقفات والمستغلات ذات الإجارتين إلى الورثة سنة 1294 هـ، وفيه تم تنظيم حق انتقال حقوق القرار إلى الورثة، ثم صدر نظام توجيه الجهات 1912 م، وقد نظم كيفية التوجيه والانتقال.
حرصت الأمم الاستعمارية على إضعاف الأوقاف الإسلامية، لأهميتها في حياة الأمة، وقد ذكر العلامة الكوثري: أن بعض سفراء فرنسا لدى الدولة العثمانية ألف كتاباً في تاريخ الإصلاحات العثمانية يحتوي وثائق سرية، واقترح على الدولة العلية إلغاء الوقف، وجعل الأراضي الموقوفة في عداد أملاك الدولة، وبعد الاحتلال الفرنسي لسورية شكل مجلس أعلى للأوقاف، وسعت دولة الاحتلال للهيمنة على وارداتها والحد من نشاطها، فأحدثت ما أسمته (مراقبة الأوقاف) وهي دائرة ملحقة بالمندوب السامي الفرنسي مباشرة، وكان مقرها بيروت، ومهمتها التدخل في شؤون جميع الأوقاف الإسلامية، والاستيلاء على بعضها، ومنها أوقاف الخط الحديدي الحجازي، وبعض الأوقاف العظيمة كأوقاف السلطان سليم والسلطان سليمان وغيرها، حيث وصلت نسبة ما يقتطع من واردات الأوقاف إلى المالية العامّية تحت نير الاحتلال إلى 45 %، وفيما بعد صدر القانون رقم (80) عام 1926 م عن المفوّض السامي الفرنسي بفتح باب الاستبدال في العقارات الوقفية على مصراعيه، وقد أجازت مادته الأولى استبدال جميع العقارات الوقفية، ما عدا الجوامع، وجاء في المادة الثانية منه جواز الاستبدال بالنقد أو بملك آخر معادل بالقيمة ،ثم أتبع القانون المذكور بالقرار رقم (156) الصادر عام 1931 لتنظيم استبدال العقارات الوقفية،  ليصدر بعد الاستقلال المرسومين التشريعيين (76) بتاريخ 16/5/ 1949و(128) 11/6/1949،  بإلغاء الأوقاف الذَّريّة والمشتركة وتصفيتها، وإلغاء التولية على الأوقاف من قبل النظار والمتولين الخاصين، وحصرت التولية بمديريات الأوقاف.

وعليه أخذت العقارات الوقفية في التقلص وبخاصة العقارات التي تدر الواردات كالأراضي والمجال التجارية، بينما ازدادت العقارات المستهلكة وبخاصة المساجد.

 واليوم عزف عن الوقف لانعدام الثقة بالقوانين الناظمة لشؤونه، والطريقة التنفيذية السيئة التي يعمل بها، والأشخاص القائمين عليها، بعد أن تحولت المعاهد العلمية العظيمة إلى أسواق يرتادها من هب ودب( كوقف المدرسة الأمينية) بسوق الحرير التي تعد أقدم مدرسة باقية بدمشق إلى الآن، و( مدرسة عبد الله باشا العظم) موئل النهضة العلمية الإسلامية الحديثة بدمشق.

واليوم  يتعرض وقف محطة الحجاز وهو وقف عثماني، خاص بالسكة الحديدية الحجازية، ومحطة الحجاز، إلى انتهاك سافر، بتوظيفه، بصفة أسواق تجارية( مولات) .
لمحة عن تأريخ محطات الخطوط الحديدية في دمشق:

 لم تعرف الولايات العثمانية الخطوط الحديدية قبل زيارة السلطان عبد العزيز مصر أواخر آذار 1863 في ولاية الخديوي إسماعيل باشا الذي استخدم الخطوط الحديدية المصرية في تنقلات السلطان أثناء زيارته، وفيما بعد بدأت الحكومة العثمانية تعتمد الخطوط الحديدية كوسيلة مهمة في النقل، فأنشأت شبكة من الخطوط الحديدية برعاية ألمانية، ويعد خط حديد يافا القدس المنفذ عام 1888 بطول 87 كم أول خط حديدي نفذ في بلاد الشام، تلاه خط دمشق مزيريب عام1890 وخط دمشق بيروت1891 بإشراف فرنسي، لتكون محطة الميدان (محطة دمشق) أولى المحطات أهمية، بعد أن انتهى بناؤها عام1894 كنقطة انطلاق خط دمشق بيروت، ودمشق مزيريب، احتوت محطة الميدان عدة خطوط لخدمة حركة المسافرين وحركة الشحن، كما زودت بورشات للصيانة وخزانات التزود بالمياه والفحم، وصمم بناء المحطة للمسافرين والإدارة معاً، وهكذا عدت محطة الميدان مركز انطلاق للقطار المتجه من دمشق إلى بيروت، إلا أن التجمع الفعلي للركاب فيما بعد كان في محطة البرامكة، التي أنشأت عام 1895 في الجهة الغربية من دمشق، لكونها محطة رئيسة كبيرة، احتوت بيوتاً للإيجار ومستودعات لمعدات الخطوط وساحتين كبيرتين بجانب كل منها رصيف طويل لشحن وتفريغ البضائع، وتألف بناء المسافرين من طابق واحد، مطل على ساحة المحطة.
ومع ظهور فكرة الخط الحديدي الحجازي، بات ضرورياً بناء محطة رئيسة لتحمل عبء التطور الحاصل في مجال النقل السككي في بلاد الشام قاطبة، ونظراً إلى أهمية المشروع بالنسبة للسلطان عبد الحميد الثاني، بدأ العمل في الخط في شهر أيلول سنة 1900م، فاختير مسار قوافل الحج، وفيما بعد عيّن المهندس الألماني مايسنر
Misner للإشراف على تنفيذ المشروع بمساعدة نحو 50 مهندساً من جنسيات مختلفة، وتورد المصادر أن العمل كان شاقاً ومرهقاً، نتيجة الظروف الجوية القاسية، وندرة المياه، والوقود، وتراكم الرمال في المناطق الصحراوية، وقلة المواد الغذائية، وقلة الأيدي العاملة؛ ما دفع بالسلطات العثمانية إلى الاستعانة بالجيش لتوفير اليد العاملة في تنفيذ المشروع، فكانت أغلبية العمال جنوداً من اللواء السادس في بغداد واللواء الخامس في الشام، وجنوداً من البحرية العثمانية ليصل إلى 5650 عاملاً، ليرتفع العدد عام 1904 إلى 7585 عاملاً عسكرياً، وعليه تجاورت قبور الشهداء الذين قضوا أثناء العمل؛ جنباً إلى جنب مع محطات القطار؛ التي مازال بعضاً موجوداً إلى اليوم، إلا أن قبور معظم أولئك البواسل وأسماءهم قد طوتها صفحة النسيان ولم يعد لها وجود، وفي هذا المجال لا بد للبحث من ذكر جهود الوالي المصلح حسين ناظم باشا) من أشهر الولاة العثمانيين على دمشق، عين ناظراً لشؤون الأمن العام في عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول، ثم ولاه السلطان العثماني ولاية دمشق، حيث تولاها ثلاث مرات أولها عام 1895م، والثانية عام 1909 والثالثة عام 1911، من أفضل الولاة الذين تولوا الحكم في سورية نظراً لما له من أياد بيضاء في مجال الإعمار والتنظيم الإداري وإنشاء المشاريع المفيدة للبلاد، وله فيها إنجازات عديدة منها جر مياه عين الفيجة إلى دمشق)

كونه صاحب الفضل في إنجاز أهم منجزات الخط التي تحققت في دمشق، وفي مقدمتها محطة الحجاز «أو محطة القنوات»التي أعدت لركاب قطارات الخط الحديدي الحجازي، وذلك عندما استطاع الاقتصاد في أجور العمال، باستدعاء المواطنين المكلفين الخدمة الإلزامية للعمل، بإنشاء أبنية مهمة زادت من تطور المدينة، ووسعت خدماتها، مستفيداً من الخبرات المختلفة المشرفة على المشروع، من أبرز هذه الأبنية بناء محطة الحجاز التي صممها وأشرف على تنفيذها المهندس المعماري الإسباني فيرناندو دي أراندا غونزاليس Fernando de Aranda  الذي (وصل إلى دمشق 1902ومكث فيها يشتمّ عبق الحضارة من حاراتها، تزوج من بناتها، وساعد على رسم حضارتها، فشيد فيها روائع البيوت والقصور، وحين جاءه الأجلُ في شهر كانون الأول عام 1969م صلى أهل دمشق على فرناندو في جامع المرابط وضمته مقبرة الباب الصغير في دمشق بين ذراعيها)، وكان المعماري الألماني مايسنر Misner رئيس المهندسين قد أوكل إلى دي أراندا إنجاز هذا المشروع.

وفيما بعد أصبح مبنى المحطة يشكل معلماً مهماً من معالمِ دمشق، لتميزه بواجهة رائعة، وبموقع يتيح لزائر دمشق مشاهدته من أماكن عدة، رافق هذا الموقع الإستراتيجي، تميز البناء كدرة معمارية فريدة لما فيه من الزخارف المعمارية والأرابيسك لينضم إلى المباني الدمشقية التاريخية القليلة، التي احتوت طرزاً معمارية مختلفة، كالطراز الشرقي العربي بخطوطه الهندسية والطراز الأوروبي المعروف بـ(الروكوكو)، مما جعل بناء المحطة محطاً للزوار والسياح.
يتوضع المبنى على مصطبة لغاية جمالية كلاسيكية، يتألف من طابقين، يدخل إلى الطابق الأول من درجين رئيسيين في الزاويتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية يؤديان إلى بهوين مركزيين ينفتحان على الشرق
والغرب بشرفة كبيرة، ومن البهوين يتفرع ممران ينفتحان على ثلاث غرف وتضاف إليه باقي أجزاء الخدمات، ويؤكد الباحثون أن بناء المحطة تأثر بالعمارة المحلية من خلال الإكساءات الداخلية للبهو المشغول بالخشب العجمي، واستخدام زنبقة دمشقية فوق النوافذ المستطيلة، والمداميك البازلتية السوداء التي ترفع البناء عن الأرض، أما التشكيل والوظيفة والإنشاء فهي مستقاة من نماذج معمارية أوروبية، واستخدم في البناء عدة أنواع من الحجارة والرخام، حيث سيطر الحجر الكلسي الرحيباني على أغلب بناء المبنى، ليشكل بين كل طابق وآخر كورنيشاً جميلاً، واستخدم الحجر البازلتي الأسود لمحيط المبنى من الأسفل، واعتمد على الرخام الأبيض كدرابزون، وأعمدة للشرفة التي تشكل مظلة للمدخل الرئيسي للمحطة، كذلك استخدم الرخام القرميدي للنوافذ ذات الأقواس المدببة، تميز مبنى محطة الحجاز بالأسقفة المغطاة بجملونات مختلفة التصميم، كرباعي، والمائل الذي يتقاطع مع جملون البهو من الجهة الرابعة.
وللمبنى ثلاثة مداخل الأول رئيسي ضخم للركاب يطل على بهو كبير بارتفاع طابقين يطل عليه رواق محلق زين بالزخارف البديعة، يستند إلى جدار جانبي بوساطة دعامات مزخرفة وهناك خمسة أبواب كبيرة تطل على أرصفة القطارات.
و تشغل مبنى المحطة الحالي مكاتب إدارة الخط الحديدي الحجازي، إضافة إلى جعل بهوه الواسع معرضاً دائماً للكتاب.
رمم سقف المبنى التاريخي، ونظفت الواجهات الحجرية وتم تركيب الزجاج المعشق التراثي على النوافذ والأبواب الرئيسية للمحطة بهدف إضافة لمسة جمالية إلى المبنى القديم.
واليوم تعلن وزارة النقل التركية أن تركيا وسورية والأردن والسعودية اتفقت على إعادة إحياء طريق الحج القديم الذي كان يربط قبل نحو 100 عام الحجاز باسطنبول بخط سكة حديد، ليكون جاهزاً للعمل في عام 2012.
حيث ستكون «سكة حديد الحجاز مشروعاً مشتركاً بين الدول الأربع على أن تقوم كل دولة بتأهيل السكك في أراضيها تمهيداً للربط بينها»، «وسيكون الربط ممتداً من مكة المكرمة عبر المدينة المنورة إلى مدينة اسطنبول التركية مروراً بالأردن وسورية»، حيث يخدم طريق الحجاز الجديد ملايين الركاب سنوياً.
موضحاً أن المشروع سيوفر أفضلية جغرافية إذ سيربط أوروبا بشبه الجزيرة العربية عبر شبكة خط سكة حديد متطورة تمتد من تركيا إلى الأردن وسورية جنوباً، وسيختصر المسافة ومدة الرحلة إلى يوم واحد، وسيعتمد المشروع تأهيل البنية التحتية للسكك الحديد في البلدان الأربع وربطها بحيث تكون ملائمة لعمل القطار السريع الذي ينقل الركاب والبضائع.
اعتمد مبنى محطة السكة الحديدية الحجازية في وسائل الإعلام الغربي، كمعلم مهم من معالم سيدة التراث العالمي دمشق، فماذا قدمنا نحن سكان دمشق لهذا المعلم الأثري؟


هناك تعليق واحد:


  1. My sweet friend, I translated your blog, very nice and interesting you site.
    When you want to take refuge in good ballads of yesterday, today and forever in all languages and genres I invite you to visit my blog and listen me.
    From this Saturday July 16th I pay tribute to Arab culture , Middle East songs,in Arabic lenguage.
    I am a broadcaster of Argentina.
    Best regards from Rosario-Argentina
    Albert.

    ردحذف