الأحد، 10 يوليو 2011

الدكتور سهيل بدورة

أعلام من دمشق
 الدكتور سهيل بدورة

ينتمي سهيل بدورة إلى أسرة أعطت مدينة دمشق أبناءاً عرفوا في مجالي الإدارة والعلم.
شغل والده جميل ابن ابراهيم المولود في دمشق عام 1892 منصب رئيس المديرية العامة للديوان السلطاني العثماني، ليتسلم فيما بعد مناصب عدة كان آخرها في إدارة السكة الحديدية الحجازية، وكما ورد في المصدر قطنت العائلة حي القنوات وفيه أبصر المترجم له النور عام 1921 ليتلقى علومه في مدارس دمشق الإبتدائية الحكومية، لينتقل بعدها أسوة بأقرانه إلى المدرسة العازارية ومنها ليتم دراسته الثانوية في معهد اللاييك، لينال شهادة البكالوريا بقسميها العربي والفرنسي، إضافة إلى إتمامه لدراسته في العلوم المالية، لينتسب إلى المعهد الطبي العربي في دمشق ليتخرج منه طبيباً عام 1946، ليحترف مهنة الطب كطبيب في شعبة الأطفال في شباط عام 1948.

دفعته طموحاته العلمية ليغترف من منهل البحث العلمي في جامعتي باريس وجنيف ليعود فيما بعد إلى موطنه مختصاً في مجال طب الأطفال الذين كان لهم الحظوة في حياته التي سخرها لمعالجة السقيم منهم.

أحب الدكتور سهيل الطفولة فنذر حياته لخدمتها من خلال أبحاث ودراسات علمية قدمها للوصول بطب الأطفال نحو الأمثل والأفضل من خلال ثوابت علمية غرسها في أذهان تلامذته الذين حملوها معهم أينما حلوا.
عرف عن الدكتور سهيل ولعه الشديد بتقديم كل ماهو جديد في علم طب الأطفال، فبالإضافة إلى ممارسته مهنة الطب، عمل على تحصيل كل ماهو جديد فشغف بالبحث، وأجاد في مهنة التدريس من خلال أسلوبه المتميز بطريقة مبتكرة في منهجية البحث العلمي،  ومنذ خمسنيات القرن الماضي كان محاضراً متألقاً على منابر كلية طب دمشق، محاضراً قل نظرائه بما يقدمه من زخم علمي ودعم لتلامذته من خلال الوقوف على تخريج دفعات متتالية من خريجي مدرسة طب دمشق.

للمترجم له؛ مؤلفات عدة في طب الأطفال، كان أهمها أول مؤلفاته الذي اعتمدته جامعة دمشق كتاب أساس يدرسه من يرفد الجامعة حتى اليوم، وتأتي أهميته من تتبع أطباء كثر  المنهجية العلمية في مؤلفاته خلال تقديمهم لمؤلفات علمية تدور في فلك طب الأطفال.

للدكتور سهيل حضور متألق دائم التواصل مع كل تطور يخص مجاله فكان مشاركاً في:

1.    تأسيس جمعية طب الأطفال في سورية.

2.    ترأس مؤتمر اتحاد جمعيات أطباء أطفال الشرق الأوسط والبحر المتوسط لعام 1988.

3.    شغل منصب رئاسة البورد العربي لطب الأطفال فكان رئيس اللجنة الإمتحانية فيه.

4.    أسهم في ارتقاء وازدهار وتوسع هذا النوع من الاختصاص على الصعيد العربي.

5.    ترأس الهيئة التدريسية في جامعة دمشق بعد وفاة أستاذه المغفور له الدكتور جميل سالم.

وطوال حياته عمل جاهداً على تطوير قسم الأطفال وذلك بنقله من جناح صغير يضم 17 سريراً في بناء دار التوليد القديم ليصبح قسماً مستقلاً في بناء المشفى الوطني ليصبح عدد أسرته 62 سريراً مع زيادة الطاقم الطبي والكوادر المساعدة؛ لينتقل بعدد العاملين من 2 إلى 10 أطباء، مؤكداً العمل بتطوير الخدمات اللازمة لهذا القسم، باستقدام خبرات أجنبية للاستفادة من خبراتها في تطوير وتفعيل الكادر الموجود، هذا بالإضافة إلى إقامة جلسات علمية دورية تخص طب الأطفال مفتوحة لكافة الأطباء .

وبجهوده الخاصة استطاع الحصول على موافقة رئاسية لبناء مشفى خاص بالأطفال تابع لجامعة دمشق، وعليه دأب بدورة على الإشراف والتوجيه مستعيناً بخبرات فرنسية متخصصة ببناء وتجهيز مشافي الأطفال؛ وخلال خمس سنوات ونيف كان حاضراً في الموقع يشرف ويوجه يعيش لحظات اكتمال مشروعه المتألق مشفى الأطفال الحالي بدمشق. الذي مازال جاثماً يحمل بصماته في التخطيط والتنفيذ والافتتحاح الذي تم عام 1988.

هذا بالإضافة على مشاركته الفعالة في وضع وإقرار النظام الداخلي لضمان الإدارة المستقلة مع الارتباط الأكاديمي لجامعة دمشق، وعليه بات هذا الصرح الجديد صرح علمي؛ حيث  تبوء بدورة رئاسته لسنوات عمل خلالها جاهداً لتقديم خدمات طيبة مجانية وخاصة لكل طفل بحاجة للرعاية الطبية.

ونظراً لاتساع المشفى. زيدت أعداد الطواقم الطبية لتغطي معظم اختصاصات طب الأطفال الفرعية.

كذلك حرص على إقامة دورات طبية تدريبية لتوسيع مهام طاقم التمريض؛ وسعى لاستقدام خبرات تمريض وإيفاد البعض لاكتساب خبرة في جوانب ا تمريض الأطفال، مدعماً ذلك بالعمل على زيادة التجهيزات بقدر ماتسمح المخصصات المالية.

كان رحمه الله محباً لمهنته مستنيراً بالعلم رفيق دربه وعليه عمل جاهداً لإنشاء مكتبة ضمن مشفى الأطفال زودت بالمصادر وبأحدث المراجع لتكون عوناً للناشئة من أطباء الأطفال هذا بالإضافة إلى سعيه لفتح قاعات ومدرجات عدة لتصبح مشفى الأطفال بذلك موئلِ علم يستقبل طالبي العلم مع اختلاف جنسياتهم.

وأخيراً

 عشق الدكتور المرحوم سهيل بدورة مهنته وعمل طوال حياته على خدمة مواطنيه وحتى بعد تقاعده لم يحجب خدماته حيث استمر في العمل، وكما هو الدكتور المرحوم فيصل الصباغ أبو الطب العصبي في سورية فإن الدكتور بدورة كان أباً لطب الأطفال فيها، فأينما حل كان نبراس كل جديد في مجاله، مقدماً جهود لاتحصى في سبيل تطوير مابدأه أطباء الأطفال الذين سبقوه واضع أسساً متينة لطلابه يقفوا عليها في سبيل خدمة الوطن والمواطنين.

شهد تخرج مئات الأطباء ممن حملوا فكره العلمي ومنهجه، منتشرين في بقاع العالم حاملين معهم أصالة بلدتهم دمشق وفكر الدكتور بدورة أينما حلوا.

يبرهن على ذلك مارواه شاهد عيان عن رحلة علاجية للدكتور بدورة الذي قصد الولايات المتحدة- شيكاغو، حيث قال وكان الطبيب المعالج تلميذاً سابقاً له، لينتقل الخبر سريعاً بوفادته المشفى، ولم تمض ساعات إلا وغصت المشفى بجمهرة من الأطباء السوريين المقيمين هناك، والذين كانوا في الغالب تلامذته في وطنهم الأم في طب دمشق، ويذكر نجله الدكتور جابر بأنه دهش لرؤية والده يسير وسط ثلة من أميز الأطباء يحيطون به فخورين لكونهم يرافقون أستاذهم المعلم.

للدكتور بدورة مواقف جريئة، تدل على تفانيه في خدمة الواجب فإن أحداث معينة لم تثنه عن مرضاه ليصيبه طلق ناري عام 1963أثناء مغادرته لمنزله قاصداً المشفى لوجود حالة انسانية تستوجب وجوده.

كان رحمه الله جريئاً في الحق جريئاً في طلب العلم وتلقينه.

كان مواطناً سورياً بامتياز، حمل هموم أمته، التي قدرت جهوده فأعطاها هو بدوره حبه وحياته بكبير قدر من التقدير والامتنان وذلك من خلال أدائه لواجبه تجاهها على أكمل وجه.

إلا أن الوقت قد أزف وكان لابد له أن يرفد أديم دمشق الذي ضمه عام 2005 بكل مودة وتقدير، وهناك ووري الثرى ليتوارى عن الأنظار أستاذاً كبيراً وعالماً قديراً وإدارياً متمكناً افتقدته بلاد الشام وافتقده مواطنيه في دمشق مسقط رأسه، إلا أن الدكتور بدورة لم يرحل فهو الغائب الحاضر، غائب بجسده، حاضر بروحه التي حملها تلامذته المتناثرين في بقاع مختلفة من العالم.

وتقديراً لجهوده أطلق اسمه على مدرج من مدرجات جامعة دمشق.

رحمه الله – فقد كان نبراس علم لا يبنض  










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق