الخميس، 4 أغسطس 2011

الزجاج في الحضارة الإسلامية


صناعة الزجاج من الحرف القديمة
تعد صناعة الزجاج من الحرف العريقة المتوارثة التي تستمد مادتها من البيئة، حيث تعتمد على مخلفات الزجاج كمادة خام، وعلى الألوان التي يختارها الحرفي.
شهدت هذه الصناعة تطوراً كبيراً وملحوظاً في العصر الإسلامي في بلاد الشام وفي دول المغرب العربي، حيث برزت الزخرفة الإسلامية علىى سطح المرايا والقوارير بألوانها المطلية بالذهب وبالنقوش المتداخلة وخطوط الرسوم الهندسية التي تميز بها الفن الإسلامي، وفيما بعد أدخلت عليها تقنيات حديثة كأشكال بديلة عن النفخ التقليدي، لارتباطها بفن العمارة، فاكتسبت أهمية كبيرة .

قديماً اتبعت طريقة النفخ، التي تعتمد تعبئة الهواء داخل قوارير وقوالب الزجاج بعد تسخينها وصهرها بدرجات حرارة عالية حيث يتم النفخ في كتلة العجين الزجاجي لتنتج أشكالاًمختلفة من المنتجات الزجاجية كالأباريق والمزهريات وعلب الحلوى وصناديق الزينة والقوارير، يحدد الحرفي الشكل والحجم النهائي للقطعة المراد تكوينها، ويختارلاحقاً نوع الزخرفة والنقش على سطحها.
يتميز حرفي صناعة الزجاج بمهارات عالية، فبعد خضوعه إلى عملية تدريب متواصلة تستمر لسنين عدة، ليتمكن من إتقان الصنعة، التي تتطلب منه الصبر والمثابرة، نظراً لوقوفه أمام أفران مرتفعة الحرارة، ولكن لابد من توفر القدرة الإبداعية والفنية لديه لاكتساب المزيد من المهارة وفن الإبداع، ليتمكن من مواكبة الزمن والتطور وإنتاج نماذج مختلفة بين الحين والآخر.

تعد صناعة الزجاج من الصناعات الكيماوية المهمة التي سجل فيها علماء المسلمين نبوغا وبراعة، حيث أصبحت القطع المنتجة تستعمل كأحجار كريمة، لارتفاع أسعارها، وجودة وإتقان صنعها بعد إدخال عليها تحسينات كثيرة باستعمال التزيينات الفسيفسائية، فتنوع الإنتاج بين الألواح الزجاجية الملونة وغير الملونة، و الصحون والكؤوس والمزهريات والأباريق والمصابيح وزجاجات الزينة لحفظ العطور الأقداح والأواني والثريات، وكذلك في صناعة الأختام وأدوات الزينة وكثير من الأدوات المنزلية. ليصل الإبداع الأوج بظهور العدسات الطبية لتصحيح النظر والتي سميت «منظرة». كما استعملت الأدوات الزجاجية في المخابر فاتكر الانبيق والاثال الأجزاء السفلى من آلة التقطير.
ونظراً لما وصل إليه المسلمون من فن الإبداع تفننوا في زخرفة الأواني الزجاجية زخرفة رائعة مستخدمين الأصباغ المعدنية المقاومة للتقلبات الجوية مما أكسبها الصمود منذ فترات زمنية بعيدة محتفظة بألقها المبهر وألوانها الجميلة، وقد كتب على بعضها أبيات من الشعر الرقيق،.

وبوصول الحرفة إلى الأوج ابتكر المسلمون التزجيج، وما زالت روائع من أعمالهم في التزجيج باقية في واجهات المساجد والأبنية الأثرية، إضافة إلى ما هو محفوظ في المتاحف العالمية، وبهذا يكون العلماء المسلمين من أوائل من تعامل مع البلور، وهو الزجاج الممتاز «الكريستال بحسب التعريف الكيماوي الحديث» لاحتوائه على نسب مختلفة من اكاسيد الرصاص، وما زالت أسس الصناعة التي أرساها المسلمون  تستعمل حتى اليوم .
وصلت صناعة الزجاج أوجها في ظل حكم الدولة العباسية في بغداد والدولة الأموية في الأندلس، فازداد الطلب على الأنواع الجيدة منه نظراً لغرق العالم الإسلامي في بحور من الترف والمال، وازدهرت صناعة الزجاج واقتنت ربات القصور أدوات فخمة من الأطباق والقناني والمزهريات والكؤوس وأدوات العطر والزينة المصنوعة من الزجاج الفاخر.
وفيما بعد ابتكرت مصر طلاء الزجاج بالميناء بلون فضي لامع بعد طلاء الزجاج بمركبات الفضة، ليسخن الإناء الزجاجي للحصول على ألوان بنية وصفراء، لتنتقل الحرفة إلى حلب فدمشق لننتج الشام أجمل الفازات والمزهريات المطعمة والمطلية بالميناء.
 ليظهر لاحقاً الإبداع في صناعة الزجاج المطلي بالميناء في استانبول لانتقال المبدعين من شتى العواصم إليها وبخاصة الدمشقيون، دل على ذلك مصابيح مسجد «آيا صوفيا» وغيره من مساجد الأناضول، والتي زينت بمئات المصابيح المدلاة.
هذا وقد عرف المسلمون أنواعا عديدة من الزجاج، عرفت بمسميات مختلفة أهمها الزجاج الصافي «البلور» وأجوده «الشفاف الرزين» الذي تشتهر به البندقية وهو«المورانو» الآن.
ليعرف العالم فيما بعد قرابة ثمانمائة عام أنواع التراكيب الزجاجية المختلفة، التي تحمل خاصية واحدة، أويتميز بعضها ابمجموعة من الخواص المتوازنة، وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من التراكيب إلا أن تسعين بالمائة من جميع أنواع الزجاج المعروف يصنع من المواد نفسها التي استعملت في صناعة الزجاج في الحضارة الإسلامية، وربما ما قبلها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق