الأربعاء، 6 يوليو 2011

االمربية الأديبة مقبولة الشلق


مقبولة الشلق 1921-1986  أول فتاة سورية، تحمل إجازة في الحقوق من الجامعة السورية.
 تعد الشاعرة والكاتبة مقبولة الشلق، من رائدات الأدب في الوطن العربي.
ولدت عام 1921 في دمشق، عاشت في بيئة متدينة محافظة، في كنف أسرة دمشقية مستنيرة، يملؤها الحب والتفاهم، والدها حمدي الشلق من كبار قضاة دمشق، عرف بنزاهته، ووطنيته، حملت مقبولة مع والدها هموم وطنها، وهي في مقتبل العمر، متأثرةً بمناهضة والدها للمستعمر، والظلم، وحبه للحرية، تَكَون شعورها القومي ، مذ كانت طفلة، من خلال ما سمعته عن هول المآسي التي مر بها الوطن، خلال مراحل طويلة، بدأت دراستها في الخامسة من عمرها، نالت الشهادة الابتدائية في الحادية عشرة من العمر ، لتتابع دراستها الإعدادية والثانوية في مدرسة تجهيز البنات، أنهت مرحلتها الثانوية في المعهد الفرنسي العربي -الحرية-، انتسبت إلى كلية الحقوق عام 1941 وتخرجت عام 1944 فكانت أول فتاة سورية، تحمل إجازة في الحقوق من الجامعة السورية.
مقبولة الشلق المناضلة
لخصت مقبولة كل مايجيش في صدرها من الحب الوطن في قصيدتها –وَجْد- التي صَدّرت بها ديوانها الشعري حيث تقول:


أنا من أهوى، وفي قلبي أوار                      دائم الثورات، جياش السعير
قد رضعت الحب من أم روت لي                 قصص الوجد على مر العصور
علمتني أن للأوطان حقاً                         في حياتي وفؤادي وضميري
فنذرت الروح والقلب فداءً                        لبلادي موطن الخير الغزير
و تغنيت بها أحلى التغني                         شددت الشعر من وحي شعوري


كما أشارت إلى كفاحها المتواصل في حياتها في قصيدتها –التوأمان- و فيها تقول:

خلقت و الكفاح توأمين

فلا يطيق بعده عني دقيقتين

يحبني

يا ليته ما كان حباً بيني و بينه

نمشي معاً

و الدرب وعرٌ، شائك، لا ينتهي

في كل شبر صخرة، أو حفرة

درب عسير، ضيق، منخفض،منحدر في الجانبين

نمشي معاً، مع الصعاب، دائبين



تناما شعورها القومي، فأدركت مايعانيه وطنها من ظلم، وهو يرزح تحت نير الاستعمار، فحملت همومه وهموم البلدان العربية كلها طيلة حياتها، شاركت مقبولة في كل النشاطات السياسية في دمشق، ألقت كلمة حماسية ضد الاستعمار، نُشرت في جريدة (فتى العرب)، بدأ ظهور تفاعلاتها القومية، فشاركت في أول مسيرة نسائية شهدها القطر السوري،وكانت في السادسة عشر من العمر،  وهناك على السلم الداخلي لسراي الحكومة-مقر وزارة الداخلية اليوم- دوى صوتها مستنكراً سلخ لواء الاسكندرون عن الوطن، مندداً بالاستعمار، في وقت كان الاستعمار فيه مازال جاثماً فوق الصدور، عملت مدرسة لمادتي التربية الوطنية والتاريخ، في مدرسة تجهيز البنات، بدمشق لمدة 5 سنوات وشاركت في مؤتمر عصبة مكافحة الفاشية باسم طالبات تجهيز دمشق.. اتسع نشاطها فعملت في البداية من خلال جمعية اليقظة الشامية، كان الحس الوطني عند مقبولة، أقوى من التقاليد الاجتماعية التي تخيم على نساء عصرها، فبرزت كناشطة سياسية واجتماعية ضد الممارسات القمعية، اهتزت طرباً في عيد الجلاء، وهللت لثورة مصر، كونها وجدت فيها بارقة أمل لتحرر العالم العربي بأجمعه من أنظمة الحكم المستبدة، وثارت ثائرتها عند العدوان الثلاثي على بور سعيد، فتوجهت مع وفد سوري، زار مدينة بورسعيد المنكوبة، وقدمت هدايا للأطفال، وألقت قصيدتين حماسيتين، أعجب بهما رجال الثورة، وكبار المسؤولين،  ثم زغردت للوحدة بين مصر وسوريا، إيماناً منها بأن قوة العرب في تماسكهم واتحادهم، متابعتها للحدث السياسي في الوطن العربي جعلها تتضامن مع الجزائر والعراق وليبيا، وكل حركات التحرر فيه ، وبخاصة فلسطين، وجنوب لبنان.

 وخلاصةً، كان حب الوطن يجري في عروقها، فكانت تلاحق الأحداث القومية في الوطن العربي، وتنفعل بها، فتصوغها نفثات حارة، من الشعر القومي الثائر، أو من القصص الملحمي، تمجد فيه البطولة والفداء،كما في قصتها، عرس من نوع جديد، التي ألقتها في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاد عروس جنوب لبنان البطلة سناء محيدلي.

  

 مقبولة الشلق الناشطة الاجتماعية،  بدأت ثورتها على وضع المرأة في بلادنا مذ أن كانت طالبة، فكتبت، وخطبت، واشتركت في الجمعيات النسائية، وحاضرت في المنتديات مطالبة بحقوق المرأة، وبضرورة مساواتها بالرجل في بعض الميادين، بسبب معاناتها التي بدأت بانتسابها إلى معهد الحقوق، توكيداً منها للمطالبة بحق المرأة في التعليم والعمل، حيث لم يتقبلها المتزمتون من الأساتذة القبول الحسن، فتصدوا لها، لما عرف عنها من جرأة بعد ورودها منهل التعليم الجامعي،  فتجاهل بعضهم وجودها، وتعمد البعض الآخر ترسيبها في الفحص، ليثنيها- عبثاً- عن متابعة الدراسة، فضلاً عن مضايقات زملائها الطلاب المزعجة، وبالرغم من ذلك استطاعت الأديبة أن تمضي بثبات، فصمدت وصبرت و كافحت حتى نالت إجازتها في الحقوق، استمرت معاناتها تلك حين سدت في وجهها كل السبل، بعد أن اشترط عليها بعض الأساتذة عدم مزاولة المحاماة،  تدخُل السيد الرئيس شكري القوتلي، جعلها تنضم إلى سلك التعليم، سافرت مقبولة برفقة زوجها الدكتور مصباح المالح، الذي أوفد من قبل الجيش العربي السوري إلى فرنسا للتخصص في (جراحة الفم والأسنان) فطلبت إحالتها على الاستيداع من خدمتها كمعلمة في مدرسة تجهيز البنات، وأثناء وجودها في باريس اختصت في رعاية الأمومة والطفولة في أرقى مناهجه، في جامعة السوربون .

وعند عودتها، استمرت معاناتها لانعدام توفر دور الحضانة لأطفالها، مما اضطرها إلى الاستقالة، لتقوم برعاية أولادها، و فيما بعد، لاقت الكثير من المعاناة في سبيل العودة للعمل، لولا أن جاءها الفرج على يد الصديق حافظ الجمالي وزير التربية آنذاك، فباشرت عملها في مكتبة الوزارة، مما أتاح لها فرصة الكتابة و العطاء ألأدبي المتواصل الذي استمر حتى قبيل وفاتها.

كانت مؤمنة كريمة جادت بالمال والمتاع و الدم، فقد جادت بدمها في مناسبات أربع، ولم يقتصر عطاءها على المستوى المادي، بل كونها مربية أجيال، قدمت للمجتمع الدمشقي خيرة الفتيات الآتي أصبحن من كبار المربيات، بعد انتظامها في سلك التعليم.

استهواها العطاء بكل أشكاله و هذا ما وضحته لنا من خلال قصيدتها لواعج بردى:

 أهل الشآم أحبني  ماذا  جرى               وحياتكم إني رهين العزلة

معنى الحياة عطاؤها و سخاؤها       ما طعم عيشي عاجزا ما قيمتي؟

ما كنت يوماً في العطاء مقصراً       واحسرتي... إني فقدت هويتي



أسست مقبولة الشلق بعد عودتها من فرنسا عام 1952 (جمعية رعاية الطفولة والأمومة) في قرى الفوطتين وبلدتي دمر وداريا، فكانت أول جمعية تعمل على خدمة أهل الريف، والعناية بنسائه، وتقديم المساعدة الصحية لأطفاله، بمساعدة كل، من نبيلة الموصلي، ومرام جندلي، ومنور إدلبي.

مقبولة الشلق الأديبة

 بدأت كتابة الشعر في مرحلة مبكرة،  وكتبت القصة القصيرة في عام 1935 ثم اتجهت إلى كتابة المقالة في المرحلتين الثانوية والجامعة، تحدثت فيها عن بعض المشاكل، أو المواضيع الاجتماعية القائمة، أحبت دمشق، فأهدتها كتابها الأول (قصص من بلدي) كذلك أحبت الأطفال، فكتبت لهم كثيراً من القصص، تدعوهم إلى حب الطبيعة، والعمل ومقاومة الاعتداء، صدرت لها مجموعات قصصية هادفة للأطفال، (عرس العصافير-سيدة الثمار-ابتسامات حنان)،كما نشرت لها الكثير من قصص الأطفال في العديد من المجلات و الصحف، أما عن نتاجها الشعري ، فقد نشرت قسما منه في ديوانها (أغنيات قلب)، عام 1982 وهو مجموعة من الشعر الوجداني و القومي، يقع الديوان في /125/ صفحة من القطع الكبير، نذكر من عناوين قصائده, أحبك, آدمية, وحدي أسير, فرحة الشام, دوار الشمس, الدوحة الشماء, ثورة الشام , صوت الفدائيين، آلام الذبيح, لواعج بردى.‏

 بعض ماقالته في دمشق :

أحبك قد أبصرت والحب يعظم          لغيرك لاأشدو ولا أترنم‏

أحبك ياابهى بلاد رأيتها                  ومالا ترى عيني وما الخلق يعلم‏

أحبك في خطب المزارع جنة             ففي كل شبر جني وزرع وموسم‏

أحبك جمالا أعيش بدونه                لقلبي سناء سرمدي وملهم

نشرت قصصها ومقالاتها في البدايات باسم مستعار هو ( فتاة قاسيون )، وفيما بعد نشر إنتاجها الأدبي في الصحف والمجلات السورية والعربية، فكانت تكتب القصة وتنظم الشعر، وتقيم وتشارك في الندوات الأدبية، انتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب، وكانت عضواً مؤسساً في جمعية أصدقاء دمشق، وجمعية القصة والرواية.
كان دعاؤها إلى الله: أن لا يحرمها متعة العطاء الأدبي، فظلت كذلك حتى قبل شهر من وفاتها، تسطر الفصول عن دمشق، و تكتب عن عادات أهلها، وعن ذكرياتها.

 توفيت الأديبة مقبولة الشلق عام 1986 تاركة وراءها ذكرى عطرة عن مثال المرأة السورية الأدبية والمناضلة، تاركةً بصمة واضحة في مسيرة الأدب النسوي السوري, الذي  كانت من رائداته.

وعادةً يتوارث الأبناء المهن، إلا أنه من النادر أن يتوارث الأبناء الفكر، ولكن مقبولة تركت مورثها الشعري في ابنتها السيدة ماريا المالح المفتي، لتذكرنا من خلال شِعِرها الجميل ضمن أوراقها الخاصة التي لم تنشر بعد، بأن طيف مقبولة مازال حياً في مدينتها التي أحبت دمشق.

نذكر من مؤلفاتها:


قصص من بلدي 1978 اتحاد الكتاب العرب, مجموعة قصصية هادفة للأطفال- عرس العصافير 1979- مجموعة قصصية مصورة للأطفال- مغامرات دجاجة1981    دار الفكر - ‏سيدة الثمار 1985 منشورات وزارة الثقافة، ابتسامات حنان، قصص- ضوء الليل الأخضر، قصص للناشئة، ديوانها أغنيات قلب، صدر بالتعاون مع اتحاد الكتاب العربي عام  1982م.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق