الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الفنان تيسير السعدي

في الرابعة من عمره بدأ رحلته الفنية تيسير السعدي ابن حي القيمرية1917 ذلك الدمشقي العتيق، مراقباً لآل حبيب، في خيمتهم التي كانت تقدم فن الكركوز، من شفاه الأخوة الثلاث أبو خالد وأبو عادل وأبو صياح حبيب، التقط الطفل فن الكلام الذي حفظه بقلبه وفكره ليحفظه من الإندثار فيما بعد كوثيقة لزمن بات ماض منسي. يقول السعدي "اتجهت نحو الفن معجباً بعروض خيال الظل والدمى المتحركة التي كانت تقوم على حوارات كوميدية بسيطة"

واكب السعدي الحركة الفنية السورية في فترة النشوء وتطور مع تطورها بداية من الحكواتية الممارسون لفن القراءة المسرحية، تلك القراءة التي سحرت السامعين لها حينها، ووصعوداً إلى بدأ الحركة الفنية الغنائية.
 وفي إحدى المسارح في حي السروجية، تياترو القوتلي كانت أصوات المطربين تشد انتباه الطفل ابن الرابعة ليطرب بسماع الشيخ سلامة حجازي وهو يغني بصوته ذو المطة الطويلة في حالة الطرب.

درس في الكتاب والتحق بالمدرسة الأمينية، إلا أن طموحاته الفنية كانت تشده للهرب من المدرسة ودخول سينما النصر في سوق الخيل القريبة من منطقة -البحصة اليوم- لمتابعة أفلام السينما الصامتة، وهكذا كانت السينما ملهمته مع أنها صامتة، فمنها تعلم حبكة الكوميديا الفنية، ومن اللافت أن دار السينما كانت تقدم معزوفة على آلة الكلارينت قبل العرض، وتقدم النراجيل لروادها أثناء العرض.
أنهى تيسير السعدي دراسته الإبتدائية ليواصل تحصيله العلمي في معهد الحرية اللاييك، ومن هنا كانت إنطلاقته الفنية وذلك عندما اختير للقيام بدور طفل، وكان الحوار باللغة الفرنسية فحفظ دوره وأجاد في تأديته على المسرح.

إلا أن طموحاته توقفت مع توقف الدراسة في فصل الصيف، فاتجه إلى العمل في الأعمال التجارية كسائر أقرانه، وهكذا عمل كبائع أقمشة في الحريقة، وهناك إلتقى بالفنان عبد السلام أبو الشامات، لينضم إليه لاحقاً للعمل في المجال الفني ومع الفنان أنور المرابط  شكل ثنائياً عمل في حفلات الكتاب والتلبيسة.
كانت العادة المتبعة عند الظهور على خشبة المسرح وضع طلاء أسود على الوجه؛ وانطلاقاً من هذه البدائية انطلق الثلاثة لشكلوا فيما بعد الفرقة المسرحية السورية التي ضمت كل من ؛ تيسير السعدي، أنور البابا عبد السلام أبو الشامات زهير الشوا ياسين وعبد الهادي الدركزلي المحامي الكاتب، وكانت الإنطلاقة من البحصة، إلا أن المسيرة الفنية بدأت من مسرح العباسية إلى مسرح الهبرا في باب توما إلى مسرح سينما أمبير. عمل عبد الهادي على كتابة النصوص المسرحية، واستعملت اللهجة الشامية المحلية المحكية، وبعد افتتاح الإذاعة قدمت التمثيليات بأصوات عدة منها صوت البابا أم كامل وأبو فهمي فهد كعيكاتي.

قرر الفنان احتراف هذه الهواية اتجه في مطلع أربعينيات القرن الماضي إلى مصر ليدرس التمثيل في المعهد العربي في القاهرة فتعرف هناك على نخبة من رجال الفن والفكر أمثال إحسان عبد القدوس ويوسف وهبة وجورج أبيض ونجيب الريحاني الذي عمل معه في مجال المسرح في دار الأوبرا المصرية وهي أعرق المسارح في الوطن العربي وكان من الأساتذة الكبار في المعهد المفكر طه حسين وأستاذ الرقص علي رضا صاحب فرقة رضا.
وبعد عودته إلى وطنه عمل السعدي على مواضيع خص الحوار فيها مشاكل تلك الفترة، وهنا بدأ السعدي مسيرته في الإخراج، وفي هذه الفترة ظهر الممثل حكمت محسن، ذلك العبقري البسيط الذي استطاع الغوص في أعماق الحياة الشعبية، والخروج عن المألوف بقصص من صميم الواقع.

تزوج السعدي عام 1954م لتنضم إليه زوجه صبا  المحمودي ليظهر لهما عمل مشترك هو صابروصبرية الذي بات حديث المجتمع في تلك الحقبة. بعد أن بث منه حوالي 3000 حلقة؛ ولم يقتصر عمل السعدي في الإذاعة على "صابر وصبرية" بل قدم مئات التمثيليات الإذاعية أخرجها الراحل حكمت محسن وجعلت من تيسير السعدي من الأصوات الإذاعية المسموعة عبر الأثير لدى الجمهور المحلي كل يوم.

عمل السعدي في إذاعة الشرق الأدنى التي تبث برامجها من قبرص، ليعود إلى دمشق وبالاتفاق  مع مدير الإذاعة أحمد العسة،  ود. صباح القباني والصحافي سعيد الجزائري قرر إنشاء فرقة تمثيل خاصة بالإذاعة، قدمت أكثر من ألف نص تمثيلي باللغة العامية استقطبت ملايين المستمعين.
ومن الحوادث المهمة في تاريخ الفنان توقفه وزملاؤه توقفهم عن العمل مع إذاعة الشرق الأدنى (بي بي سي) البريطانية إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، رافضين الاستمرار في العمل .

في الستينيات دخل السعدي المجال المرئي من خلال ثلاثين عملاً قدمها للتلفزيون السوري. منها مشاركته في مسلسل صح النوم، والدنيا مضحك مبكي؛ وزواج على الطريقة المحلية، وتجارب عائلية ليكون آخر أعماله أيام شاميةعام 1992م.
السعدي مازال موجوداً معنا اليوم يقصص على زواره حكايات الزمن الجميل بما فيها من عفوية وتلقائية تمرس هو فيهما لكونه ابن ذلك الزمن الجميل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق