الأربعاء، 29 يونيو 2011

السيف الدمشقي

  يعد السيف عند العرب عنوانا للشجاعة ورمزاً للأصالة،  له صدارة البيوت وفخر الأنساب يتوارثه الأبناء عن الأحفاد بزهو وكبرياء، وهو جزء من تاريخنا و جزء من تراثن
شام ياذا السيف لم يغب             ياكلام المجد في الكتب
      

تعد دمشق من أقدم مدن التاريخ التي يُشهد لها بصناعات عريقة، منها صناعة السيوف.
حيث برز السيف الدمشقي عن غيره من السيوف العربية بجمال الشكل وروعة النقوش التي برع الصناع بتنزيلها على سطح السيف بالذهب والفضة،  كما اشتهر بثبات معدنه وتموج جدائله المصنوعة من الفولاذ والحديد والنيكل ومادة الفضة- مما أكسبه القوة والصلابة[1] والمرونة وخفة الوزن بآن معاً ، ويشمل أنواعاً ونماذج كثيرة.
 تمتاز السيوف الدمشقية بظاهرة فنية تعرف باسم "جوهر السيف " وهي عبارة عن تموجات ترى على صفحات النصال وتشبه عقداً متناسقة متقاربة متلاصقة، كبقع يخيل لعين الناظر إليها أنها مؤلفة من آلاف الأسلاك الفولاذية الدقيقة الممتزجة بمعدن آخر يختلف عنها من حيث اللون، وقد قيل فيه :
ترى فوق متنه الفرند كأنه
بقية غيم رق دون سماء ...
ابن المعتز:
كذلك يقول أبو الهول الحميري:

وكأن الفرند والجوهر الجاري                                  
على صفحتيه ماء معين.

ويشرح قاموس العلوم النظرية والتطبيقية كلمة الفولاذ الدمشقي كما يلي: ( إنه فولاذ كان يأتينا فيما مضى من الشرق، تحت اسم دمشق لأنه استخدم في دمشق بسورية منذ زمن سحيق، لصنع أسلحة اشتهرت بمتانة وحدة قطعها.. فالنصل الدمشقي الأصيل يمكن أن يقطع بكل يسر قطعة من الشاش في الهواء كما يستطيع أن يقطع عظاماً ومسامير من غير أن يتثلم.. إن نصل سيف من الفولاذ الدمشقي ينطوي إذا ثنيناه بزاوية ما، من غير أن ينكسر ثم يعود إلى حالته الأولى بسبب مرونته الفائقة).‏
يعتبر(أسد الله الدمشقي)، من أمهر  صناع السيوف، أسره(تيمورلنك) مع أكثر من ثلاثين ألف أسير سوري بعد أن غزا  بلاد الشام، ودمر ورشات الأسلحة في دمشق، وكان في طريقه يفرز الأسرى وفقاً لحرفة كل منهم ويوزعهم على المناطق وفقاً لاحتياجات إمبراطوريته.. فأنزل صناع الأسلحة الدمشقيين في مقاطعتي خراسان في إيران وسمرقند في بلاد ما وراء النهر بتركستان، وإليهما حمل أولئك الأسرى صناعة النصال الدمشقية المشهورة.‏
وصلت شهرت السيف إلى الآفاق، فكتب الرحالة (نيكولو دي بوجونسي): وفي عام (1346م) ليس من مكان في العالم تصنع فيه السيوف ما هو أفضل من دمشق.‏

ويتحدث الكندي عن السيوف الدمشقية فيقول عرفت بجودتها منذ القدم وامتازت نصالها بقطعها الجيد إذا كانت على سقايتها الأصلية، والسيوف الدمشقية اقطع جميع السيوف المولدة وتتراوح أثمانها خمسة عشر درهما إلى عشرين.
ورد ذكرها ابن عساكر والقلقشندي وغيرها، ومن ابرز نماذج هذه السيوف المحفوظة في متحف طوب كابي سراي في استانبول، سيف معاوية وهو مستقيم وسيف عمر بن عبد العزيز وسيف مستقيم عليه اسم سعد بن عبادة من الصحابة مع كتابات دمشقية متأخرة وسيف عليه نقوش للسلطان قايتباي.
 
 وقديماً كان اسم صانع السيف وتاريخ صنعه ينقشان إلى جانب اسم صاحب السيف إذا كان خليفة أو ملكاً أو سلطاناً أو وزيراً أو أميراً، ويحيط به العديد من مختلف أنواع نقوش الزخارف الإسلامية والكثير من الآيات القرآنية أو الأحاديث الدينية والأدعية المتنوعة، أو تكتب على نصاله أيضاً عبارات تنطوي على معاني التمجيد والاحترام وما شابه ذلك.
 بلغت الأسلحة الدمشقية حداً من الشهرة، مما جعلها هدايا يتبادلها الملوك.

 ذكر (المقريزي).. أرسل السلطان المملوكي الظاهر بيبرس عام (1263م) هدايا بصفة ديبلوماسية مع مبعوثين إلى الأمير المغولي (بركة خان) في كيتشباك جنوب روسيا وكانت هذه الهدايا من السيوف الدمشقية.‏
وهكذا شكّل السيف الدمشقي عبر القرون الماضية لغزاً مستعصياً على الحل في الصناعة الحربية، إذ رويت عنه الأساطير، ونسجت حول صناعته القصص و الحكايات.








[1] - الصلابة: أما بالنسبة لعملية السقاية فيقصد بها "نشافة" الصلب- أي صلابته- وجعله ينشف بعد عملية التشكيل والتسوية إلى الحد الذي يجعله صلباً لا يتآكل بسرعة خلال استعماله لفترة طويلة، معدل النشافة. وبعدئذ يغمر الصلب بمادة الزئبق والماء البارد المذاب فيه قليل من ملح الطعام والزيت وذلك لتبريده بعد التقسية.
[2] - صانع السيوف جين بابتيست شارليز 1867

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق