الخميس، 29 أغسطس 2013

جميل أنور عبد الله زكريا 1890- 1932م- يطل من ميسلون



هو جميل أنور بن عبد الله زكريا من مواليد الشام، لعام 1890م، درس علومه الأولية، في دمشق، ليغادرها، إلى الأستانة، حيث انتسب إلى الكلية الحربية فيها، ليتخرج منها ملازم ثان، في الخيالة التركية، حضر الحرب التركية – اليونانية، على الحدود اليونانية، وكان مع زملائه في فرقة الاستطلاع، ولم يعد منهم إلا هو وأربعة آخرين، عين بعد الانقلاب التركي، بقيادة يحيى حياتي صبري، مساعداً لقائد القوات العسكرية التركية، عاد إلى وطنه بعد انتهاء الحرب مع اليونان، ليكون تحت إمرة قائد الجيش الرابع التركي جمال باشا السفاح، الذي طرده من عمله لوشاية عنه، انضم قيما بعد إلى الجيش العربي الفيصلي، عند دخوله إلى الشام، ورفع إلى رتبة ملازم أول خيال، التحق بقوات يوسف العظمة وزير الحربية، ليقف للدفاع عن دمشق في وجه القوات الفرنسية الغازية، بعد استشهاد البطل يوسف العظمة، بدأت القوات الفرنسية الهجوم، بالمدفعية والرشاشات، ونظراً لرباطة جأشه أصيب بعدة طلقات نارية من مدفع رشاش، ونقلته القوات العربية المنسحبة، إلى دمشق وأدخل مستشفى الغرباء ( الوطني) لإجراء جراحة  عاجلة له، حيث أشرف على علاجه الدكتور عبد القادر الزهرة، وكان من أوائل جراحي سورية، مدير المستشفى في تلك الفترة، والصيدلاني، أحمد عزت الشوا، ليتولى بعد شفائه قضاء حمص العسكري.
حياته الخاصة، كان مقرباً من والدته، وحزن حزناً شديداً لوفاتها، إلا أن وفاتها لم تثنه عن زيارة قبرها، والدعاء لها، وبينما هو كذلك، وإذ بإمرأة مغطات الوجه تقرأه السلام، كان فاتناً خجولاً، وكانت يافعة، شده إليها، لهجتها الأرستقراطية، وصوتها الرخيم العذب، أما عنها، فشعور غريب انتابها، أبدت من خلاله، كل اهتمام، بشخصه الوقور.

لحظات غريبة مرت سادها صمت غريب، رفدتها، أسئلة عدة، منها من تون، ومن تكونين، إنهما شخصان أحبا صاحبة القبر، هدية خانم الشوا، والدته، وصديقتها الحميمة، وكان اللقاء الأول في مقبرة الدحداح، عند مقابر آل زكريا، ورفعت الغطاء عن وجهها لكي تودعه، وسبحان الخالق، كم هي رقيقة، كم هي جميلة، وكان الحب.

وكان لابد له من السؤال عمن تكون، لتجيبه، بالتعريف عن نفسها، إنها أمينة اليوسف ، شقيقة، عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج الشامي عام 1916م، صاحب أول منزل خارج سور دمشق، سليل عائلة اليوسف المعروفة حسباً وجاهاً.

  فتنه برقتها، لم يأبه بمن تكون، امتلكت مشاعره، وكان الوداع، الذي تلته لقاءات عدة، حب رومانسي دب في العروق، لامفر من الانغماس فيه، كانت أمينة تكبره بخمسة عشر عاماً، ولكن الجو المحيط بها قد حمل عنها مشقة فرق السن، وفي لقاءهما الأخير، باحت له بمكنونات صدرها، وسألته عن الارتباط بها، جمدت الدماء في العروق، ليجيبها، كنت قد قطعت عهداً لزوجتي بدرية بنت طاهر بك زكريا، ولابد لي أن أسأل صاحبة العهد، إن كانت توافق، وتأذن لي، وكان وداع حزين، وكانت مصارحة مؤلمة للزوجة، التي هالها أن ترى الحزن في عيون زوجها، فما كان منها، إلا الرضا، والتسليم، ليعلن الزواج، بصورة رسمية، وليصبح جميل زكريا؛ عديلاً لأول رئيس جمهورية منتخب، علي العابد.

كان لطيفاً دمث الأخلاق راقي التعامل، حنون ملهوف، شغف بها، فأعطته فيض محبة، لاحدود له، وكانت المفاجأة، حمل أمينة خانم كان مفاجأة للجميع، ولكنها فرحتهما، ومضت الشهور، ليرى ابنهما تيسير نور الحياة، كان طفلاً جميلاُ، ولكنه كان وريث لثروة والدته أيضاً، في الحقيقة فرح الجميع، باستثناء الورثة، اكتملت حياة أمينة خانم، تيسير كان سعادتها، ولكن فرحتها لم تعمر طويلاً،  وغمر الحزن قلب أمينة خانم، عندما وجدت طفلها ووحيدها فاقد للحياة، بعد بلوغه شهره السادس، في ظروف غامضة.

لم تنجب أمينة خانم، بعد فقدها تيسير، خيم الحزن على العائلة، التي كانت يوماً ما سعيدة، لم يشعر أحد بحزن الأم الشديد، تقوقعت أمينة، ولم يسعفها كبر سنها على تناسي وتخطي مانزل بها من حزن وألم، لتلحق بطفلها بعدها.
قدم المترجم له استقالته، فأعفي من منصبه، ليلتحق بمدرسة الحقوق في دمشق، التفت إلى الدراسة بكليته، كان صديقاً للشاعر شفيق جبري زميله في الكلية، عمل على الترجمة لمعرفته بلغات عدة، فيما يخص بحوثه، اقتنى في منزله مكتبة حوت أمهات الكتب،  تقدم زملائه في تخصصه، كان ألمعياً في حبه للمعرفة، ولكن القدر لم يمهله ليتتم مابدأه فتوفي وهو يتابع دراسته في السنة الرابعة.
هذه مقتطفات من نجوم لمعت في سماء دمشق، في زمن غير الزمن، في فترة لم نكن موجودين نحن فيها، ولكن من الجميل أن نقرأ عمن كانوا، في زمن آخر، رحم الله أجدادنا وأوسع لهم. تمت

 

 


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق