الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

الدكتور جوزيف كلاس 1921-2011

جوزيف كلاس 1921-2011
غادرنا الأربعاء الطبيب الأديب الدمشقي العتيق الصديق جوزيف كلاس، كم تشعر النفس بالأسى لفراقه وكتابة هذه الكلمات، كان من فرسان الزمن الجميل جاهد في سبيل الوصول بالوطن إلى السؤدد والمجد، تحلى المغفور له بحسن الخلق ولين المعشر وروح الايمان إذ لم يأل من ذكر الله والحمد لله احتضنته مشفى الإيطالي بدمشق يافاً ومخضرماً وكهلاً لمشاركته في مرحلة التأسيس،  ليخرج منه الأمس مهيب الجانب كما دخله أول مرة طبيب القلب، داوى الجراح من خلال العلم وا لأدب رحمه الله وأوسع له في فسيح جناته.
ولد جوزيف أنيس كلاس في مدينة حماة السورية عام 1921، تلقى دراسته الإبتدائية فيها، ليغادرها إلى دمشق قاصداً كلية الطب فيها، وفي دمشق التي أحبها فأحبته بدأ بنوغه الفكري العلمي والأدبي بالنضج، إلا أن طموحه في اكتساب المعارف دفعه للسفر إلى فرنسا ليتابع تحصيله العلمي بعد تخرجه من جامعة دمشق عام 1949، وفي باريس اغترف من مناهل جامعتها فأدهش أساتذته بطموحه لينال الدبلوم عام 1953، ليتابع دراسته في مجال تخصصه في أمراض القلب، لينهي دراسته وينال الدكتوراه عام 1956.
شده حبه لموطنه، ليعود إيه طبيباً مختصاً ليلتحق بالقوات المسلحة، حيث تميز أثناء خدمته بدماثة أخلاق قل مثيلها، ونظراً لما قدمه من خدمات ملموسة قلد مناصب مهمة بين عامي 1956-1991.
لم يكن جوزيف كلاس ذلك المواطن العادي، بل كان مواطن استثنائي بامتياز أحس بهموم وطنه فتفان بحمل مسؤليته تجاهه من خلال مواقع عدة كان يستطيع البت في أمور تعني كثير لمواطنيه.
تفانيه في عمله وحبه للمحيطه ساعده بالولوج بين حياته العسكرية والمهنية والاجتماعية والأدبية. فكان متابعاً لكل جديد في تخصصه قريباً من حياة دمشق الإجتماعية والأدبية.
ونظراً لإلمامه بلغات عدة استطاع أن يترجم ويسخر ما يقرأ في مجالات تخدم قضايا علمية واجتماعية وأدبية كان قد سخر نفسه لخدمتها.
دفعته حصيلته العلمية والأدبية إلى كتابة البحوث العلمية والأدبية، فكان سفير بلاده في هذين المجالين العلم والأدب، وكان لجامعة باريس نصيب وافر من تلك البحوث المقدمة، إلا أن الحظوة كانت للمدينة التي عشقها دمشق، التي كان لها النصيب الأوفر من البحوث والندوات العلمية والأدبية.
خولته وفرة معارفه، لتمثيل بلاده سورية في مؤتمرات عدة، فانتدب ليكون محاضراً في كثير من دول أوروبة وأمريكا، نذكر منها: ألمانيا، سويسرة، إيطاليا، إنكلترة، الولايات الأمريكية المتحدة.
ونظراً لجهوده وعطائه المستمر، استحق أن يقلد خمسة أوسمة كان آخرها وسام الاستحقاق السوري، ووسام الاستحقاق الوطني الفرنسي، ولذلك لجهوده في دعم العلاقات السورية الفرنسية وذلك عام 1977.
استحواذه على ذلك المقام لم يكن ليثنيه عن المضي بإصرار في متابعة سيرته العلمية، ليتخذ منحاً أو منهجية لحياة مستقبلية، وعلى ذلك بدأ بالتغرغ إلى النشاطات الثقافية والأدبية المتعددة الجوانب، اتي كان قد بدأ ها منذ عام 1969، مستنداً بذلك على خلفية علمية وثقافية متينة مكنته في المضي في التغرغ لعرض مكنونات فكره من خلال ندوات قام بالحضير لها وذلك من خلال ندوته في مناقشة الجوانب الحقوقية والإنسانية والدينية والفنية.
لينتقل بعد ذلك إلى المزج بين العلم والأدب من خلال محاضرته الشيقة التي حملن عنوان " القلب بين الطبيب والأديب " وذلك عام 1990، ونظراً لقيمة هذه المحاضرة العلمية الأدبية، طلب منه إعادة إلقاها عام 1991.
وفي العام نفسه وقف في المكتبة الوطنية مضيفاً إلى ألقه العلمي مفردات جديدة ليحاضر حول" تاريخ النباتات الطبية في بلاد الشام"، ليعود عام 1992 إلى إضافة علمية جديدة من خلال محاضرته " القلب واللفافة الفاتنة" محاوراً اثنين من أطباء جيله هما الأستاذين الدكتور راتب كحالة، والدكتور عبد الغني عرفة.
وهنا يتجلى التنوع والإبداع، بما قدمه في تفس العام في محاضرته التي دار موضوعها حول" علم النبات العربي وعلماؤه" حيث افتتحت بها الندوة الدولية " تصنيع الأعشاب الطبية في سورية" التي نطمتها وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة الدولية.
ينتقل الدكتور كلاس عام 1993إلى محور آخر من التنوع والتجديد من خلال محاضرة جديدة تحمل عنوان " القلب والحب القاتل" حيث يظهر براعته الأدبية من خلال استقائه مقومات موضوعه من التراث العربي والبحث العلمي الحديث.
ليتبعها بمحاضرة علمية تاريخية أخري حملت عنوان " دور العرب في إحياء الحركة العلميىة في أوروبة في القرون الوسطى".
وهكذا وخلال سني حياته لم يتوقف الدكتور كلاس عن تقديم كل مافي مكنونات نفسه من وفكر وعلم وأدب ليكون أنموذجاً يحتذى به لمواطن وعالم وهب وسخر نفسه في سبيل ابراز وجه بلاده المشرق من خلال نتاجه هذا.
وأخيراً يتوج المترجم له نتاجه الفكري والعلمي بمجموعة مؤلفات متداولة نذكر منها:
سيرة الطب في الحضارة القديمة عام 1995.
القلب بين الطبيب والأديب 1997.ناشيد من الفردوس المفقود 2004.
أعلام الفكر الأندلسي 2006.
الحياة السياسية في العصور العربية القديمة 2008.
دمشق الفيحاء 2009.
ترك الدكتور كلاس أرثاً حضارياً مكتوباً من خلال ماخطه قلمه من فكر عميق مستنير، من القلب الذي أعطى الكثير من الحب لأجيال عاش معها حيث استشف موضوعاته من ثناياها يخط لنا ولمن سيأتي بعدنا سيرة جيل من أبناء سوريا نبع العطاءِ لاينفذ.
د. عزةعلي آقبيق






الأحد، 18 سبتمبر 2011

نازك العابد تاريخ مضيء لنضال المرأة العربية

 نازك العابد
       صفحة ناصعة وشعلة مضيئة في تاريخ المرأة العربية الحديث والمعاصر.

  جاء في مقال عبد الغني العطري "حكاية امرأة مناضلة" لم يشهد تاريخنا الحديث مثيلاً لنازك العابد في صدق الوطنية والكفاح المتواصل والشجاعة التي قل نظيرها في التاريخ.
ينحدر آل العابد من عشيرة الموالي استوطن جدهم محمد بن الأمير قانص في حي الميدان بدمشق عام 1700/1701 م عمل أفراد الأسرة بتجارة الحبوب و المواشي و أصبح لهم نفوذ واسع في حي الميدان.  أول من برز في دمشق منهم عمر آغا العابد الذي أجار مسيحيي حي باب مصلى وأوقف بنفوذه مشاركة سكان الميدان بأعمال الشغب في تموز 1860 م. وفيما بعد كان لآل العابد دور مهم في السياسة أواخر القرن التاسع عشر.
 في خضم أحداث تلك الفترة وقفت ثلة من النسوة السوريات إلى جانب الرجل، مناضلات مكافحات في سبيل الحرية. وعلى الرغم من محدودية المشاركة إلا أن المرأة السورية  شقت طريقها متحدية مجتمع ذكوري ذو فكر وتقاليد راسخة، حيث وقفت مجموعة من الرائدات اللاتي اقتحمن الحياة العامة عنوة، وناضلن في سبيل عزة ورقي الوطن. وبالرغم من تموضع نشاطهن الأساسي في الصالونات الأدبية والمجلات النسائية، إلا أن مشاركتهن في الهموم العامة والحياة السياسية  للوطن تركت بصمة واضحة لا يمكن إنكارها.
كان منهم على سبيل المثال  السيدة نازك العابد التي حفظ لها الوطن في ذاكرته جليل الذكر.
 أبصرت نازك العابد النور عام 1887, والدها مصطفى باشا العابد من أعيان دمشق، تولى محافظة الكرك، وولاية الموصل في أواخر الفترة العثمانية، وأمها فريدة الجلاد، من النخبة المتنورة من نساء المجتمع الدمشقي. ‏
وعليه نشأت نازك العابد في بيئة النخبة تعلمت مبادئ اللغات العربية والتركية في المدرستين الرشيديتين الدمشقية والموصلية ودرست الفرنسية في مدرسة الراهبات في الصالحية بدمشق، كذلك تعلمت مبادئ الانكليزية والألمانية. نفيت مع عائلتها في الحرب العالمية الأولى إلى أزمير فدخلت مدرسة الفردوس للمرسلين الأميركان. لتتابع فيما بعد تحصيلها العلمي في المعاهد الخاصة للتعليم بالإضافة إلى  تعلم فنون التصوير والموسيقا ( البيانو)، واهتمام جلي بالإلمام بعلمي التمريض والاسعاف.
بدأت نشاطها مجرد عودتها من المنفى في أواخر 1918م، بالكتابة فكتبت في بعض الصحف كلسان العرب واتخذت من مجلتي العروس ( وهي أول مجلة صدرت في سورية لصاحبتها ماري عجمي) ومجلة الحارس منبراً لآرائها وأفكارها المستنيرة الجريئة،  كذلك شاركت في المؤتمرات النسائية الوطنية والدولية في مصر ولبنان، أسست وترأست عقب الثورة العربية الكبرى عام 1916  جمعية نور الفيحاء لمساعدة ضحايا الثورة, ناصرت في كتاباتها حق المرأة في الانتخاب السياسي عندما طرح في المؤتمر السوري1919. وتحدثت بلسان الجمعية واستكتبت سيدات دمشق العرائض اللازمة لتأييد الاستقلال أثناء وجود اللجنة كراين الأميركية لاستفتاء السوريين في الانتداب عام 1919، و قادت تظاهرت نساء المعارضة، مما أثار إعجاب مستر كراين بذكائها وقوة حجتها، فكان اسمها ضمن أبرز الأسماء في أوراقه وخواطره. ‏وقبل أن يغادر البلاد طلب منها أن تختار عدداً من الطالبات، لينفق من ماله على تعليمهن في الكلية الأميركية للبنات.
 عينها الملك فيصل بن الشريف حسين رئيسة لجمعية النجمة الحمراءعام 1920، لتصدر في أول شباط 1920م مجلة نور الفيحاء وهي مجلة أدبية إجتماعية، بهدف النهوض بالمرأة, كذلك أسهمت في تأسيس النادي النسائي الشامي الذي ضم نخبة سيدات الشام،  ومدرسة بنات الشهداء ومكتبتها، كذلك أسهمت في إنشاء مصنع للسجاد، حيث أهديت بعض منتجاته إلى بعض الملوك وخصص ريع المبيعات لصالح الأيتام. منحت رتبة نقيب في الجيش زمن الملك فيصل نتيجة لمواقفها البطولية,
حسها الوطني - والتيارات التي جاءت تعبيراً صارخاً عن معاناة المرأة ووضعها الاجتماعي هناك.
النسوية في سورية:
لم يكن في سورية ثورة على تعاليم دينية محرّفة وخلفيات تاريخية اجتماعية مغالطة كالتي ظهرت في المجتمع الغربي، تسّوق إلى الوقوع في شرك التيارات النسوية الغربية المتطرفة، بل كان هناك وعي قومي ونهوض سياسي من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي، دفع بالفكر النسوي كأولوية حقيقية نحو بلورة الجهود والنضال للتحرر الوطني من الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي. فانخرطت النساء وجمعياتهن وحركاتهن النسوية في هذا الاتجاه، وارتفعت قضيتهن مع موجة النهوض الاجتماعي العام؛ مواطنات كن ينهضن بواجبهن الوطني قبل أن تتحقق لهن حقوقهن في المجتمع. وكانت مشاركتهن في حركات التحرر الوطني فعالة إيماناً منهن بتلازم قضيتهن مع الحرية والاستقلال، فكان للمناضلة نازك العابد (1887ـ 1959) التي شاركت يوسف العظمة معركة ميسلون بصمة حقيقية في النهضة النسوية في سورية ولبنان وفي العمل الصحفي ومحاربة الاستعمار، إذ أسهمت في تأسيس بعض الجمعيات الخيرية والنسوية مثل «نور الفيحاء»، وأصدرت مجلة أدبية نسائية تحمل الاسم ذاته هدفها نهضة المرأة السورية، وشاركت في إقامة مدارس عديدة مثل «مدرسة بنات الشهداء العربية»، وناد أدبي، وتعاونت مع الأديبة الشاعرة ماري عجمي [ر] صاحبة أول مجلة تصدر في سورية «مجلة العروس» 1910، فاتخذت من مجلتها ومجلة «الحارس» الخاصة بشؤون المرأة والمجتمع منبراً لبث أفكارها وآرائها في الكفاح الوطني والعمل ضد المستعمر التركي ثم الفرنسي الأمر الذي أدى إلى نفيها مراراً. وقد ناصرتها في مسيرتها وسارت على خطاها نساء كثيرات تمتعن بمواهب وكفاءات عديدة علمية وأدبية واجتماعية وسياسية أمثال: نجاح العطار وكوليت خوري ووداد سكاكيني وهاجر صادق وغادة السمان ورويدا الجراح ونازك الملائكة[ر] وفدوى طوقان[ر] ومي زيادة [ر] الشهيرة بصالون الأربعاء الأدبي وبشرى الكنفاني وغيرهن.
ومع أن سورية قد مرّت بعد الاستقلال بمرحلة اضطرابات عاصفة فإن الأحزاب السياسية التي ظهرت فيها تبنت برنامج إصلاح سياسي اجتماعي شامل تعهد بالعمل على مناصرة قضايا المرأة. فاهتمت القيادة السياسية في سورية بقضايا المرأة وقامت بإجراءات تنظيمية وإدارية ـ ازدادت وضوحاً في العقدين السادس والسابع من القرن العشرينـ تضمن للمرأة حقوقها ودورها في المجتمع، فشهدت سورية عملية تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية شاملة كفلت الاستقرار على أسس دستورية، وتحققت للمرأة منجزات سياسية وقانونية وتعليمية ثقافية فتوحدت الجمعيات الخيرية والنسوية التطوعية منها والخاصة والمؤسسات التربوية في منظمة سُمّيت بـ «الاتحاد العام النسائي»، لها نظامها الداخلي ودستورها وبرنامجها الهادف نحو مبدأ العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة ومُنح كلاهما الحقوق المتساوية للمشاركة في مختلف نواحي الحياة العامة وفي الواجبات والمسؤوليات.
عرفت نازك العابد الحس الوطني مبكرة، وتجلا الفكر القومي في ثقافتها بأدراكها تعالي معلمات اللغة التركية في الموصل على الطالبات العربيات، مما جعلها تشكل تجمعاً رافضاً لهذا التعالي مما تسبب في طردها من المدرسة ونفيها وعائلتها الى مدينة ازمير التركية، لتعود بعدها إلى الوطن وفي أجواء دمشق تناما شعورها الوطني وازدادت قناعتها بضرورة التنوير من خلال العلم والمعرفة، للتغلب على الجهل والظلم، لفتت هذه الحركة نظر حاكم بلاد الشام  جمال باشا فأمر بترحيل العائلة مع بداية نشوب الحرب العالمية الأولى الى استانبول، دفعتها روحها الثائرة  فور انتهاء الحرب إلى العودة  الى دمشق، وفي دمشق استأنفت نشاطها بعد أن أنست الخير في عهد الملك فيصل واستبشرت أملاً ببزوغ فجر جديد، فسخرت مكنزها العلمي في كتابة مقالات مختلفة التوجهات في الصحف المحلية والعالمية فكان منها الوطني ومنها الاجتماعي.
 أصبحت نصيرة حقوق المرأة العربية  وباتت مجلتها ـ التي لم يطل عمرها ـ بمثابة مدرسة متنقلة، تحمل صور التطور الاجتماعي ونمو الوعي الوطني وتطالب الحكومة العربية بإعطاء المرأة حق الانتخاب السياسي، وحرية الرأي ساندها وأيد فكرها استقطاب مجلتها لأقلام أعيان المفكرين والأدباء. بالإضافة إلى تأكيد من الأستاذ العالم سعيد الكرمي، عضو المؤتمر السوري الذي عقد في دمشق في ربيع عام 1920 لتقرير مصير وحرية البلاد العربية ووحدتها.
شاركت نازك ، بوعي وبشعور بالمسؤولية، في الحياة السياسية، فحازت على مكانة اجتماعية مرموقة واستحقت ثقة الملك فيصل وتقدير حكومته، فصدر أمر ملكي بمنح، هذه الوطنية المثالية، رتبة عسكرية فخرية (نقيب).
نضالها ضد الاستعمار- ومع شروع الفرنسيون بالتمهيد للغزو وإنذار الملك فيصل بالمغادرة، واستعداد الجيش العربي لصد العدوان الفرنسي 1920بادرت إلى إنشاء مستشفى للجرحى وهيأته في بضعة أيام. ومع خيبة الأمل كشفت نازك اللثام عن شجاعة قل نظيرها  لتمضي حاسرة الوجه  بلباسها العسكري مخترقة صفوف الثوار مدافعة عن الوطن والحرية تحفز الهمم وتوقد حماسة المدافعين، ‏ وبصحبة وزير الحربية يوسف العظمة في ميسلون 24تموز1920 تفقدت الجند، ويقال أنها هرعت إليه بعد أصابته في المعركة وبأنه أسلم الروح بين يديها.
‏ وبدخول القوات الفرنسية أرض الوطن، بدأت نازك العابد نضالها ضد المستعمر لتقف مع حرائر دمشق في الإحتجاج عنوة على الانتداب الفرنسي؛ وذلك بتنظيم مظاهرات تطالب برحيل قوات الاحتلال، والاستقلال والحرية. وعليه بدأت نازك جهادها الأكبر سراً وجهراً بكل الوسائل المتاحة، فضاقت أعين الانتداب الفرنسي بنشاطها، ورصدتها شرطته، فأغلقت المجلة والمدرسة، ومنعتها من عقد ندوات خاصة وعامة، فما كان منها إلا الالتحاق في صفوف المقاومة السرية لمقارعة المستعمرين.
نفيت عن الوطن بعد دخول المستعمر الفرنسي إلى دمشق نتيجة مواقفها الوطنية,  فأبعدت إلى اسطنبول لمدة عامين ( 1920 – 1922 ) وعند عودتها رصد الفرنسيين تحركاتها لإدراكهم  مدى خطورة نشاطها، تعرضت نازك العابد بسبب شجاعتها وإقدامها ونشاطها الوطني، لمضايقات شتى، اضطرتها للجوء الى شرق الأردن، حيث أصيبت بخيبات لم تكن تتوقعها، فراحت تلتمس لقضية بلادها آفاقا واسعة، تنشر فيها أخبار الثورة العربية وأسبابها وملابساتها، وحق بلادها في الحرية والاستقلال.. وساعدتها شجاعتها ويسارة عيشها على التجوال في أميركا وعواصم الغرب شارحة واقع بلادها ومطالب قومها الوطنية، على زعماء السياسة والصحافة، فحظيت بالاعجاب والتقدير، فنوهت الصحف الغربية عن جرأتها وبطولتها ولقبتها بـ «جان دارك العرب» وجعلت الرحالة والكاتبة الانكليزية «روزيتا فوريس» من مواقف نازك العابد حبكة لروايتها «سؤال» التي نشرتها عام 1922.
طال تجوال نازك بعيدة عن أهلها ووطنها، فعادت إلى الوطن بعد تعهدها بعدم المشاركة في أي عمل يمس سلطة الاحتلال، فرضت عليها السلطة الاقامة الاجبارية في مزرعتها الخاصة في ضواحي دمشق، فراحت تشتغل في الزراعة، وهناك تعايشت مع أهل الغوطة الشرقية،  فساعدتهم في تطوير العمل الزراعي، وأوقدت فيهم روح الثورة على المستعمر, فكانت أحد ثوار ثورة 1925، حيث عملت بصمت وخفاء متنكرة بزي الرجال. غير آبهة بخطر ما.
  ‏تقدم لخطبتها عام 1929 محمد جميل بيهم الذي مثل بيروت في المؤتمر السوري الأول الذي انعقد في دمشق عام 1920 تزوجت  نازك وانتقلت للإقامة في بيروت. إلا أن وجودها في بيروت لم يثن من عزيمتها بل ازدادت نشاطاً في العمل من أجل النفع العام فأسست جمعيات اجتماعية عدة منها: جمعية المرأة العاملة، وميتم تربية بنات شهداء لبنان عام 1957. وفي السبعين من عمرها أسست لجنة مهمتها  تثقيف الأم اللبنانية في مجالات الحياة كافة. انتخبت عام (1959م) رئيسة لها، وقد أقيم بهذه المناسبة أول احتفال بعيد الأم في لبنان.
توفيت نازك العابد في العام نفسه 1959م عن عمر يناهز 72 عامًا، قضتها في النضال في سبيل عزة بلادها وصون كرامتها، ودفنت في مقبرة العائلة في باب الآس في حي الميدان في دمشق، وفي حفل تأبينها الذي أقيم برعاية الجمعيات النسائية اللبنانية تكلم المفكرون والخطباء عن الأديبة  والمناضلة السورية التي صاغت بمواقفها البطولية جزءًا مهمًا من تاريخ سوريا الوطني.
وبمقابلة خاصة مع عمتها السيدة أيمن العابد المرستاني، أفاضت السيدة أيمن في التعريف على مناقب المناضلة نازك فمنذ طفولتها تمتعت بشخصية مميزة نالت ثقة الجميع بلطف معشرها ورهافة حسها وعطفها على الغريب قبل القريب، فأثناء وجودها في الغوطة تبنت ثلاثة فتيات من بنات المزاعين وعملت جاهدة أن ينالوا فرصتهم في العيش الكريم والتعليم وذلك من خلال إرسالهم إلى مدارس أجنبية خاصة، أما عن احترام محيطها لها فتضيف السيدة أيمن بأن والدها مصطفى باشا أثناء تواجد الأسرة في المنفى كان يقف ويدعها تجلس قبل أن يجلس هو في الأماكن العامة، وبالتالي كانت تحترم وجوده فكانت تناديه سيدي عندما يكونا في المنزل، لم تنل السيدة نازك العابد بيهم مانالته قريناتها بعد زواجها فكان التعثر حليفها إلا أن كرمها وانغماسها في الأعمال الخيرية خفف شيئاً مما عانته في حياتها الخاصة، لم ترزق بولد إلا ماحرمت منه من حنان الأمومة فاضت به على كل طفل يتيم أينما وجدت.

الأحد، 11 سبتمبر 2011

سلطان باشا الأطرش (1888-1982)

سلطان باشا الأطرشزعيم شعبي، وقائد الثورة السورية الكبرى عام 1925 على الاستعمار الفرنسي، ولد في القْرَيّا بمحافظة السويداء، وتمرّس على يد والده المجاهد الشيخ ذوقان الأطرش بالفروسية والرماية وفنون القتال. وقد تعلّم مبادئ القراءة والكتابة على يد بعض المعلمين. ثم تابع دراسته بالمطالعة الشخصية. وكانت أول معركة شارك فيها مع والده في مواجهة الاحتلال العثماني سنة 1910م في قرية الكَفر، وقد أبدى فيها شجاعة ملحوظة.
أعدم العثمانيون والده وعدداً من زعماء الجبل مع من أُعدم من الأحرار سنة 1911، وتركت هذه الحادثة أثراً عميقاً في نفسه، وبحصافة الزعيم جعل الثأر الشخصي ثأراً وطنياً من الاستعمار كله.

لبّى نداء
الثورة العربية الكبرى، مع مجموعة من المجاهدين استظلت بالعلم العربي وسيطرت على قلعة بصرى الشام سنة 1918. كما قاد معركة تلال المانع على مشارف دمشق في وجه المحتلين العثمانيين والألمان. ودخل إلى دمشق في 29 أيلول 1918 ورفع العلم العربي على دار البلدية فيها، وكان ذلك العلم الذي نسجه أهل بيته، أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق، بعد الحكم العثماني الذي دام نحو أربعمئة عام.

كانت علاقة سلطان بالملك فيصل الأول وطيدة، كما كانت كذلك مع والده الشريف حسين، وغيرهما من القادة والزعماء العرب.
هبّ سلطان مع فرسانه لنجدة
يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكن المعركة كانت قد حسمت سريعاً فقال عندئذ: «خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلين»، ولذلك أرسل رسولاً خاصاً (الشهيد حمد البربور) إلى الملك فيصل ليقنعه بالمجيء إلى جبل العرب ومتابعة المقاومة، لكن الملك فيصل رأى أن الفرصة قد فاتت بعد أن صعد إلى ظهر الطراد البريطاني في طريقه إلى منفاه.
نشب بين سلطان والفرنسيين نزاع دائم. فلم يترك مناسبة إلا أعرب فيها عن سخطه على وجودهم في
سورية، وكانت أول ثورة له عليهم عندما ألقوا القبض على أدهم خنجر الذي اتهم بمعاونة المجاهد الشهيد أحمد مريود، في محاولة اغتيال الجنرال غورو على طريق القنيطرة، وكان أدهم خنجر قد وصل إلى القريّا مستجيراً، فخرج سلطان ورجاله مطالبين بإطلاق سراح ضيفهم، ولما لم يستجب الفرنسيون لطلبه تصدى لهم بالسلاح، وكانت معركة تل الحديد مع المصفحات الفرنسية التي ولّت الأدبار بعد إعطاب اثنتين منها وقتل سدنتهما، فكانت هذه الثورة التي دامت تسعة أشهر رفضاً للاستعمار وتأكيداً لتقاليد العرب الأصيلة في حماية الدخيل وإجارة المستجير، فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام، وهدموا بيته في القريّا قصفاً بالطائرات. ولمّا عجز الفرنسيون عن القبض عليه فاوضوه خشية انتشار العصيان، فأصدروا عفواً عنه وعن رفاقه، ولم ينزل سلطان عن أي مطلب من مطالبه، وهي الجلاء التام عن الوطن والاستقلال الناجز، ولم يحدّ من نشاطه في تمتين العلاقات مع الوطنيين داخل البلاد.

قاد سلطان الأطرش عام 1925، الثورة السورية الكبرى، التي شارك فيها خيرة مجاهدي الوطن وحظيت بإجماع وطني منقطع النظير، وخاض أشرف المعارك وكانت معركة الكفر أولى معارك الثورة (23 تموز 1925)، فكانت معركة سريعة أبيدت فيها الحملة الفرنسية على بكرة أبيها، ولم ينج منها إلا نفر قليل حمل أخبار الهزيمة إلى قيادتهم في
السويداء. وقد أصدر سلطان الأطرش بيان الثورة التاريخي الذي توّجه بشعار «الدين لله والوطن للجميع» ونادى فيه العرب بقوله: «إلى السلاح إلى السلاح أيها العرب السوريون»، وطالب فيه بوحدة البلاد وتعيين حكومة شعبية تجري انتخابات مجلس تأسيسي لوضع قانون أساسي يقوم على مبدأ سيادة الأمة المطلقة والقانون والعدل والحرية والمساواة، ولاقت هذه الدعوة استجابة عارمة في البلاد، اختير بعدها سلطان قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية. وفي آب 1925 جنّد المستعمرون الفرنسيون وحدات عدة مسلحة بأحدث الأسلحة آنذاك من طائرات ودبابات ومدافع ثقيلة ورشاشات لقمع الثورة فتصدى الثوار لهذه الحملة وجرت معركة المزرعة قرب مدينة السويداء (2 و3 آب) واستطاع الثوار فيها إبادة الحملة إلا القليل من أفرادها، وفرّ قائدها الجنرال ميشو، وكانت معركة المزرعة أعظم معركة في معارك الاستقلال وقد انتشرت أنباء الثورة وانتصاراتها في جميع أنحاء سورية، كما وصلت أنباؤها إلى أوروبا، وعمت المقاومة أرجاء سورية وانتشرت في البقاع المتاخمة في لبنان وكانت معارك المجدل وسحيتا وراشيا، وكانت معركة راشيا أشهرها، إذ تسلق الثوار قلعتها الحصينة واستولوا عليها وأحرقوها. ثم توالت المعارك فكانت وقعة المسيفرة والسويداء ورساس وعرى وأم الرمّان وغيرها، مما جعل الفرنسيين يشددون الحصار على الثوار، فاضطر الثوار إلى النزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن، ثم نزح سلطان ورجاله إلى وادي السرحان والنبك في الحجاز على أمل العودة إلى الوطن في وقت قريب.

استعان سلطان بملوك الدول العربية آنذاك لمتابعة الكفاح، فبعث رسله إلى الملك عبد العزيز آل سعود والملك فيصل الأول ورئيس وزراء مصر وإلى فلسطين إيماناً منه بوحدة الكفاح العربي ووحدة الهدف، ولكن اتفاق الحلفاء الأوربيين، وضعف المقاومة العربية أدّيا إلى وقف القتال. وظل سلطان ورفاقه المجاهدون أوفياء لمبادئهم، يحدوهم إيمانهم الراسخ بوحدة سورية والوحدة العربية ووجوب استقلال الوطن استقلالاً تاماً. ولم تنقطع الصلات بالحركة الوطنية في سورية طوال مدة نفيه حتى عاد هو ورفاقه إلى الوطن بعد إبرام
المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، فأصدرت فرنسا عفواً شاملاً عن كل المجاهدين، واستقبل سلطان ورفاقه بدمشق في 18 أيار سنة 1937 باحتفالات شعبية عارمة، ومُنح أرفع الأوسمة وقد رحب بقيام الوحدة بين سورية ومصر سنة 1958، والتقى الرئيس جمال عبد الناصر، ووقف دائماً إلى جانب الثورة الفلسطينية وكان يردد القول: «ما أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ».

كان سلطان رقيق القلب عطوفاً، وكان رب أسرة غيوراً ومحباً لأبنائه، وكان فلاحاً مجدّاً يحب أرضه، كما أنه كان رجلاً مؤمناً ورعاً، ومحافظاً على التقاليد والعادات العربية الأصيلة، وكان منفتحاً على روح العصر، فاهتم بتشجيع العلم ونشره، فأرسل أبناءه وبناته إلى الجامعات، داخل القطر وخارجه، وبنى غير مدرسة في قريته من أمواله الخاصة ومن التبرعات التي كانت تصل إليه، وعرف عنه الزهد في مغريات الدنيا والترفع عنها.

توفي في مسقط رأسه
، وكانت جنازته يوماً مشهوداً إذ حُمل نعشه في طائرة حلقت فوق مواقع المعارك الخالدة التي قادها، ودفن في القريّا، وأقيم حول قبره صرح تذكاري.

منصور الأطرش
الموسوعة العربية

الجمعة، 2 سبتمبر 2011

قسطنتين زريق من أهم مؤرخي المشرق العربي

قسطنطين زريق1909ـ 2000م
قسطنطين بن قيصر زريق، مؤرخ ومفكر ومحقق وباحث معروف في قضايا الفكر والقومية العربية، ولد في دمشق، لأسرة مسيحية أرثوذكسية متوسطة الحال عرفت بعدم تعصبها الديني، وبميلها إلى التعاون مع أتباع الديانات السماوية الأخرى، وكانت هذه الأسرة تسكن في إحدى الدور الدمشقية القديمة الواسعة المجاورة لأحياء المسلمين الذين كان يلتقيهم يومياً، فأبعدته تلك البيئة المنفتحة والمتحررة عن التعصب الديني.
تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدرسة الأرثوذكسية (الآسيّة) التي تتميز بنزعة وطنية، ويؤمّها عدد وافر من الطلاب المسلمين، ولما أنهى دراسته الثانوية عام 1924، انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وانتسب إلى كلية الآداب والعلوم فنال منها شهادة البكالوريوس في الآداب عام 1928 بمرتبة الشرف الأولى، ثم تابع دراسته في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، فحاز على شهادة الماجستير في التاريخ، ونال من جامعة برنستون شهادة الدكتواره في الفلسفة عام 1930.
حين عاد إلى وطنه عين أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً مشاركاً في التاريخ بجامعة بيروت الأمريكية من عام 1930 حتى عام 1945، وقد أتيح له في هذه المدة أن يدرس تاريخ الأمة العربية، ويحيط بعوامل نهوضها، ويطلع على بواعث انهيارها وركودها وجمود تفكيرها، بعد أن قّدّمت للإنسانية أعظم الإنجازات في العلم والأدب والفكر والفلسفة.
وحين جلا الفرنسيون عن سورية في السابع عشر من نيسان عام 1946، وتألفت حكومة وطنية، اختير قسطنطين زريق ليكون مستشاراً أول للمفوضية السورية في واشنطن، ثم ممثلاً لسورية في هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي في سنتي 1946ـ1947، وبعد أن أنهى مهمته الدبلوماسية، عاد إلى الوطن فعين نائباً لرئيس الجامعة الأمريكية في بيروت، مع احتفاظه بعمله أستاذاً للتاريخ، وكان هذا المنصب لايشغله غير الأمريكيين، وهذا يدل على الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها، والمكانة العلمية التي يحتلها في الأوساط الجامعية.
ولما فكرت سورية بتنظيم جامعتها على أسس ومناهج صحيحة استدعته عام 1949 وعينته رئيساً لها، فتسلم مقدراتها، وظل يدير شؤونها حتى عام 1952ـ1953، وقد استطاع في هذه المدة القصيرة أن يغيّر الكثير من المناهج، ثم عاد إلى الجامعة الأمريكية ليتولى رئاستها بالوكالة حتى عام 1957، فشغلته المناصب الإدارية عن البحث العلمي الذي كان شغله الشاغل، وهدفه الأول، ولذلك ما إن ترك العمل الإداري حتى أخذ يكتب ويحاضر وينشر أبحاثه ودراساته في عدد من المجلات العربية والأجنبية، فأصدر بعد كتابه المهم «الوعي القومي»، كتابه «معنى النكبة»الذي حلل فيه عوامل نكبة فلسطين عام 1948، فلقي الكتاب رواجاً منقطع النظير، وطبع أكثر من مرة، ونقل إلى اللغة الإنكليزية، كما أصدر بعده كتابه «أي غد؟». في عام1965 عين أستاذاً زائراً في جامعة كولومبية، ثم في جامعتي جورج تاون ويوتا، فظل في هذا العمل حتى عام 1977.
إضافة إلى المناصب الإدارية والتعليمية التي أسندت إليه، انتخب عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً مؤازراً للمجمع العلمي العراقي في بغداد، وعضواً في اللجنة الدولية لوضع تاريخ تطور العلم والثقافة برعاية اليونسكو، وعضواً في المجلس التنفيذي لليونسكو، ورئيساً للرابطة الدولية للجامعات في باريس بين عامي 1965ـ1970، ثم رئيساً فخرياً لها عام 1970، كما انتخب رئيساً لمجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسفية في بيروت بين عامي1967ـ1984، ثم رئيساً فخرياً لها عام 1984، وعضواً في مجلس إدارة مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان بالأردن حتى وفاته.
نشر زريق بحوثه ومقالاته باللغة العربية في عدد من المجلات العربية، كالمقتطف، والعربي، والمعرفة، ومجلة مجمع اللغة العربية، وحلقة الدراسات الاجتماعية، وغيرها... كما أصدر عدداً وافراً من الكتب المهمة في التاريخ وقضايا الفكر والقومية العربية والنهضة والحضارة وتحقيق التراث العربي منها: «أمراء غسان من آل جفنة» (ترجمة بالاشتراك مع بندلي جوزي)، «اليزيدية قديما ًوحديثاً»، «تاريخ ابن الفرات» (تحقيق)، «نحن والتاريخ»، «في معركة الحضارة»، «نحو عالم عربي أفضل»، « تهذيب الأخلاق لابن مسكويه» (تحقيق). «نظرات في الحياة القومية العربية المتفتحة في الشرق العربي».
امتاز زريق بسعة الاطلاع، ورجاحة العقل ونضج الفكر والروية، والتعقل والاتزان وطول الأناة، والتزام الأسلوب العلمي الحديث في الكتابة، وكان يتابع التطورات بنزعة المؤرخ، وحدس المفكر المؤمن الذي يريد لأمته أن تستكمل جميع عناصر حياتها لتجاري الأمم المتطورة في سيرها.. وكان يريد من الأمة أن تثور ثورة أخرى، ويعتقد أن الثورة العقلية هي الضمان لأي ثورة، وبها تقدم على محاسبة ذاتها، وتؤمن بالحقيقة والعقل، وتتطلع إلى المستقبل، وتتفتح للخير، وتحقق إمكاناتها البشرية وتضبط ثورتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا سلكت هذه السبيل، بلغت ذروة النصر في معركة الحضارة.

ـ سامي الكيالي، الأدب العربي المعاصر في سورية(دار المعارف بمصر، القاهرة 1969).
ـ عبد الغني العطري، عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996).
ـ عبد القادر عياش، معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين (دار الفكر، دمشق 1985).
ـ موسوعة أعلام سورية، مج 2 (دار المنارة، دمشق2000).