الجمعة، 2 سبتمبر 2011

قسطنتين زريق من أهم مؤرخي المشرق العربي

قسطنطين زريق1909ـ 2000م
قسطنطين بن قيصر زريق، مؤرخ ومفكر ومحقق وباحث معروف في قضايا الفكر والقومية العربية، ولد في دمشق، لأسرة مسيحية أرثوذكسية متوسطة الحال عرفت بعدم تعصبها الديني، وبميلها إلى التعاون مع أتباع الديانات السماوية الأخرى، وكانت هذه الأسرة تسكن في إحدى الدور الدمشقية القديمة الواسعة المجاورة لأحياء المسلمين الذين كان يلتقيهم يومياً، فأبعدته تلك البيئة المنفتحة والمتحررة عن التعصب الديني.
تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدرسة الأرثوذكسية (الآسيّة) التي تتميز بنزعة وطنية، ويؤمّها عدد وافر من الطلاب المسلمين، ولما أنهى دراسته الثانوية عام 1924، انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وانتسب إلى كلية الآداب والعلوم فنال منها شهادة البكالوريوس في الآداب عام 1928 بمرتبة الشرف الأولى، ثم تابع دراسته في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، فحاز على شهادة الماجستير في التاريخ، ونال من جامعة برنستون شهادة الدكتواره في الفلسفة عام 1930.
حين عاد إلى وطنه عين أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً مشاركاً في التاريخ بجامعة بيروت الأمريكية من عام 1930 حتى عام 1945، وقد أتيح له في هذه المدة أن يدرس تاريخ الأمة العربية، ويحيط بعوامل نهوضها، ويطلع على بواعث انهيارها وركودها وجمود تفكيرها، بعد أن قّدّمت للإنسانية أعظم الإنجازات في العلم والأدب والفكر والفلسفة.
وحين جلا الفرنسيون عن سورية في السابع عشر من نيسان عام 1946، وتألفت حكومة وطنية، اختير قسطنطين زريق ليكون مستشاراً أول للمفوضية السورية في واشنطن، ثم ممثلاً لسورية في هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي في سنتي 1946ـ1947، وبعد أن أنهى مهمته الدبلوماسية، عاد إلى الوطن فعين نائباً لرئيس الجامعة الأمريكية في بيروت، مع احتفاظه بعمله أستاذاً للتاريخ، وكان هذا المنصب لايشغله غير الأمريكيين، وهذا يدل على الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها، والمكانة العلمية التي يحتلها في الأوساط الجامعية.
ولما فكرت سورية بتنظيم جامعتها على أسس ومناهج صحيحة استدعته عام 1949 وعينته رئيساً لها، فتسلم مقدراتها، وظل يدير شؤونها حتى عام 1952ـ1953، وقد استطاع في هذه المدة القصيرة أن يغيّر الكثير من المناهج، ثم عاد إلى الجامعة الأمريكية ليتولى رئاستها بالوكالة حتى عام 1957، فشغلته المناصب الإدارية عن البحث العلمي الذي كان شغله الشاغل، وهدفه الأول، ولذلك ما إن ترك العمل الإداري حتى أخذ يكتب ويحاضر وينشر أبحاثه ودراساته في عدد من المجلات العربية والأجنبية، فأصدر بعد كتابه المهم «الوعي القومي»، كتابه «معنى النكبة»الذي حلل فيه عوامل نكبة فلسطين عام 1948، فلقي الكتاب رواجاً منقطع النظير، وطبع أكثر من مرة، ونقل إلى اللغة الإنكليزية، كما أصدر بعده كتابه «أي غد؟». في عام1965 عين أستاذاً زائراً في جامعة كولومبية، ثم في جامعتي جورج تاون ويوتا، فظل في هذا العمل حتى عام 1977.
إضافة إلى المناصب الإدارية والتعليمية التي أسندت إليه، انتخب عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً مؤازراً للمجمع العلمي العراقي في بغداد، وعضواً في اللجنة الدولية لوضع تاريخ تطور العلم والثقافة برعاية اليونسكو، وعضواً في المجلس التنفيذي لليونسكو، ورئيساً للرابطة الدولية للجامعات في باريس بين عامي 1965ـ1970، ثم رئيساً فخرياً لها عام 1970، كما انتخب رئيساً لمجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسفية في بيروت بين عامي1967ـ1984، ثم رئيساً فخرياً لها عام 1984، وعضواً في مجلس إدارة مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان بالأردن حتى وفاته.
نشر زريق بحوثه ومقالاته باللغة العربية في عدد من المجلات العربية، كالمقتطف، والعربي، والمعرفة، ومجلة مجمع اللغة العربية، وحلقة الدراسات الاجتماعية، وغيرها... كما أصدر عدداً وافراً من الكتب المهمة في التاريخ وقضايا الفكر والقومية العربية والنهضة والحضارة وتحقيق التراث العربي منها: «أمراء غسان من آل جفنة» (ترجمة بالاشتراك مع بندلي جوزي)، «اليزيدية قديما ًوحديثاً»، «تاريخ ابن الفرات» (تحقيق)، «نحن والتاريخ»، «في معركة الحضارة»، «نحو عالم عربي أفضل»، « تهذيب الأخلاق لابن مسكويه» (تحقيق). «نظرات في الحياة القومية العربية المتفتحة في الشرق العربي».
امتاز زريق بسعة الاطلاع، ورجاحة العقل ونضج الفكر والروية، والتعقل والاتزان وطول الأناة، والتزام الأسلوب العلمي الحديث في الكتابة، وكان يتابع التطورات بنزعة المؤرخ، وحدس المفكر المؤمن الذي يريد لأمته أن تستكمل جميع عناصر حياتها لتجاري الأمم المتطورة في سيرها.. وكان يريد من الأمة أن تثور ثورة أخرى، ويعتقد أن الثورة العقلية هي الضمان لأي ثورة، وبها تقدم على محاسبة ذاتها، وتؤمن بالحقيقة والعقل، وتتطلع إلى المستقبل، وتتفتح للخير، وتحقق إمكاناتها البشرية وتضبط ثورتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا سلكت هذه السبيل، بلغت ذروة النصر في معركة الحضارة.

ـ سامي الكيالي، الأدب العربي المعاصر في سورية(دار المعارف بمصر، القاهرة 1969).
ـ عبد الغني العطري، عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996).
ـ عبد القادر عياش، معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين (دار الفكر، دمشق 1985).
ـ موسوعة أعلام سورية، مج 2 (دار المنارة، دمشق2000).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق