الخميس، 25 أغسطس 2011

رشيد بقدونس الفارس الذي ترجل بصمت

 رشيد بقدونس(1292 ـ1362هـ/1875 ـ 1943م)
رشيد بن عبد الرزاق بن حسن بن يوسف بقدونس، مناضل عسكري وسياسي سوري، عالم بالتاريخ والجغرافية وله عناية باللغة العربية، ولد في صالحية دمشق وتوفي فيها.
أنهى دراسته الأولية في المدرسة الرشدية في دمشق، ثـم التحق بالكليـة الحربية في اصطنبول وتخرج فيها ضابط مشاة عام 1895، أُرسل بعدها في كتيبة إلى كريت Crete ثم نقل إلى سالونيك Salonique فأقام فيها ست سنوات وتعلم اللغة اليونانية. وحارب في صفوف الجيش التركي في حرب اليونان وأُسر في إسبرطة Sparta عام 1913، وبقي أسيراً سنة ونصفاً ثم أطلق سراحه، فأرسل إلى جبهة القوقاز مع بداية الحرب العالمية الأولى وظل فيها حتى انتهاء تلك الحرب.
تلقى علومه في مادتي التاريخ والجغرافية في مكتب عنبر، ليتمم تحصيله العلمي فيما بعد في دار المعلمات بدمشق عام 1921. ليكون أستاذاً فيما درس في المدرسة السلطانية في السلط 1922-1923 وفي المدرسة الإسلامية الكبرى في حيفا 1924-1928.
كان من نشطاء جمعية العهد التي تأسست عام 1913 وضمت عدداً كبيراً من القوميين العرب، ونادت باستقلال البلاد العربية. وأصدر في مدينة كولكي ـ سالونيك، جريدة الوطن باللغة التركية، ووقفها على نشر الوعي القومي والدعوة إلى استقلال البلاد العربية ووحدتها.
 التحق عام 1918 أي بعد إعلان الثورة العربية ونجاحها   بالجيش العربي في سورية،وعُيّن برتبة قائد في الشعبة الثالثة من ديوان الشورى الحربي، فشارك في تنظيم الجيش الفتي وتدريبه، وأسهم في ترجمة الكتب العسكرية من التركية إلى العربية، منها: كتاب «تعليم المشاة» (1919) وكتاب«الفروسية» (1920) وكتاب «سياسة الخيل«، كذلك شارك في وضع جداول فنّ الرمي والرقيم اليومي وكتاب «الأسلحة»، وكتاب «التعبئة» وتنظيمات الجيش. وكان بصحبة الملك فيصل لما دخل دمشق بعد إعلان الاستقلال في 8 آذار عام 1920.
وبنجا الحلفاء في تقسيم بلاد الشام إلى سورية الشمالية تحت الانتداب الفرنسي، وسورية الجنوبية تحت الانتداب الإنكليزي اعتزل صاحب الترجمة الحياة العسكرية، وتفرغ لمقارعة المستعمرين الفرنسيين بفكره وقلمه، فشارك القوى الوطنية في تنظيم تجمعاتها وفي حرب العصابات، والمقاومة الوطنية التي بلغت أوجها عام 1922، وكان من بين من اعتقلتهم السلطات الفرنسية في ذلك العام وحكمت عليهم بالسجن والنفي، فحكم عليه بالسجن عشر سنوات ومثلها بالنفي، ولكنه تمكن من الهرب متخفياً عبر بادية الشام، حتى وصل إلى الأردن ثم فلسطين، وبقي فيها إلى أن صدر عفو عام عن الثوار في سنة 1928 فعاد إلى دمشق.
مارس مهنة التدريس في مدارس منفاه فلسطين فدرس مواد التاريخ والجغرافية والحضارة العربية، وكان يؤكد في دروسه وحدة بلاد الشام، ليتابع بعد عودته إلى بلده الأم نشاطه النضالي والسياسي، فكان من بين أعضاء المؤتمر السوري العربي الذي دعت إليه القوى الوطنية عام 1933.
وتأكيداً على فرط محبته للوطن وجه في 18 تشرين الأول 1935م مذكرة باسم المحاربين القدماء إلى دي مارتيل De Martel المفوض السامي الفرنسي في سورية ولبنان يطالبه فيها بالوحدة السياسية الشاملة وبالاستقلال والسيادة.
شارك في إعداد البيان الأول للجبهة الوطنية المتحدة عام 1936وشارك أيضاً في نشر ميثاق الاتحاد الوطني العام، كما شارك في المؤتمر القومي العربي في بلودان عام 1936/1937.
دفعه حبه للغته العربية إلى الإسهام في جميع النشاطات التي تهدف إلى النهوض باللغة العربية والابتعاد عن التعبيرات الأجنبية، فترأس أعمال لجنة التهذيب اللغوي التي أنيط بها تدقيق التعبيرات والكلمات التنظيمية للقطاع المدني للدولة الفتية منذ عام 1919، وذلك بوضع مرادفات عربية للاصطلاحات والتعبيرات والتعليمات العسكرية والأوامر التي كانت مستعملة في الجيش التركي. وذلك من خلال دراسة مطولة حول اتباع رسم معين يضاف إلى الحروف العربية في مقابل الحروف الأجنبية التي ليس لها ما يقابلها في الأبجدية العربية.
ودعماً للفكر العلمي كان من أوائل  المنادين بتأسيس مجامع علمية في كل من دمشق وبغداد والقاهرة وتونس والمغرب الأقصى حرصاً منه على سلامة اللغة العربية.
شارك في تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية اليوم) عام1920 وكان من أوائل أعضائه ليتميز عن أقرانه بمشاركاته المتميزة،  ونظراً لاضطلاعه بعلوم اللغة العربية عين رئيساً للجنة المصطلحات العلمية التي ضمت أعضاء من المجمع ومن الجامعة السورية وجامعة بغداد، وكانت له إسهامات في مجلة المجمع العلمي العربي. وقد أتقن اللغات التركية والفرنسية واليونانية والفارسية إتقاناً تاماً، وله مؤلفات باللغة اليونانية، ويبدو أن اندلاع الحرب العالمية الثانية ووفاته حالا دون صدورها.

 من أهم مؤلفاته كتاب «التاريخ العام»، وكتاب «التاريخ القديم»، (الأعوام1924-1928) وكتاب«تاريخ القرون الوسطى»، وكتاب «تاريخ القرون الأخيرة»، وكذلك كتاب «الجغرافية الطبيعية».
كذلك ترك مخطوطات غير منشورة، منها «تاريخ الكنيسة» (ترجمة عن اليونانية) و«آثار العرب» و«الطب عند العرب».
من أهم نشاطاته الخيرية والاجتماعية إسهامه مع نخبة من أهل الصالحية في تأسيس «جمعية الثقافة والتعليم الخيري»، لتعليم أبناء الفقراء والأيتام وتقديم الكتب واللوازم والألبسة مجاناً، وتعليم الأميين من أرباب الحرف ليلاً. وكان عضواً عاملاً في «جمعية النداء الخيري التعليمي»، وفي «جمعية التمدن الإسلامي». كما كان من مؤسسي «جمعية إسعاف المتقاعدين»، لإعانة المحتاجين من المتقاعدين العسكريين والمدنيين وأرباب المهن الحرة وأسرهم بالتطبيب والأدوية اللازمة.
رحمه الله كان إبناً باراً لوطنه هو ذلك المحارب الأديب المربي إنه رشيد بقدونس ولطالما ستظل سورية بل بلاد العرب تفخر بمثل أولئك الذين نذروا الحياة لخدمة الوطن- وستظل سورية كشجر الليمون تطرح ليموناً على مدار الأعوام ولو كره المغرضون 

مراجع
ـ أمين سعيد، الثورة العربية الكبرى (مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر).
ـ أحمد حلمي العلاف، دمشق في مطلع القرن العشرين (منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1976).
ـ ظافر القاسمي، مكتب عنبر (دار العلم للملايين، بيروت 1964).
ـ مجلة المجمع العلمي العربي، المجلد الخامس (1925-1926).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق