الجمعة، 1 أبريل 2016

فرنانددو دي أرندا ١٨٧٨-١٩٦٩م

"وقفت أمام قبر صبرية حلمي ، الذي طال بحثي عنه وعندها انتابني حزن عميق عندما أدركت بأني أقف على عتبة فبر فرناندو دي أرندا"
أسهمت عبقريته في تخطيط المدينة الدمشقية الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين، صمم العديد من الأبنية المعروفة بدمشق والتي ما زالت قائمة حتى اليوم.
شهدت معظم الولايات العثمانية أواخر القرن التاسع عشر نهوضاً شاملاً نتيجة محاولة الدولة العثمانية اللحاق بركاب الحضارة الأوروبية وعليه استقطبت أقطاب العلوم بأنواعها المختلفة للعمل على ذلك التطوير من خلال الاستثمارات الأجنبية في أراضيها، وكان للمساعي الألمانية النصيب الأوفر من تلك الاستثمارات حيث استطاعت أن تستحوذ على مشاريع مهمة، كان أهمها على الإطلاق الخط الحديدي الحجازي الذي يصل اسطنبول بالمدينة المنورة مباشرة، وعليه طرحت العروض، وتنوعت الجنسيات، حيث اختير المهندس الألماني مايسنر للإشراف على إنشاء الخطوط الحديدية في الدولة العثمانية، وكان اختياره للمهندس الإسباني موفقاً لبناء محطة القنوات ( الحجاز حالياً) كمحطة رئيسة للخط الحجازي، التي تعد قمة في الإبداع الجمالي المعماري.
فرناندو دي أراندا: ولد فرناندو دي أراندا في مدريد في 31 من كانون الأول عام 1878م، ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، والدته أليسا غونثالث غوميت، رافق والده الموسيقي بعد وفاة والدته، إلى باريس ومن ثم استانبول، حيث عمل والده في الفرقة الموسيقية للبلاط العثماني، عاش فرناندو حياة مستقرة، درس الفنون الجميلة، كمختص في التصميم، غادر إسطنبول إلى دمشق التي عشقها مذ أن حط رحاله فيها عام 1902م؛ وحتى عام 1905م أمضى جل وقته في دمشق في دراسة تصاميم فن العمارة، يقول المهندس خليل الفرا، بغض النظر إن كان أرندا قد حصل على شهادة أكاديمية، أم لا، إلا أنه أتقن عمله، وقام به على أكمل وجه.
تعرف على زوجته الأولى اليونانية الأصل خلال إقامته في فندق فكتوريا، زنوبيا سيريكاكيس، التي كانت تعيش بين دمشق وبيروت، ثم انفصل عنها بعد أن أنجب منها ولدين. استطاب له العيش بدمشق، فسعى لتقلد منصبًا دبلوماسياً فيها، فعين نائباً للقنصل الفخري الإسباني في دمشق بين عامي 1912م- 1936م، وتعرف على زوجته الثانية صبرية حلمي التي تصغره بعشرين عاماً1897م، خلال عمله في تشييد بيتاً لعائلة حلمي ( ثانوية الأندلس في حي الحلبوني) -وهي عائله دمشقية تركية الأصل - ، اعتنق الدين الإسلامي ليصبح (محمد أراندا)، وتزوجا في حيفا، ليعود إلى دمشق ويقطن فيها إلى أن وافته المنية في مشفى الطلياني بدمشق في شهر كانون الأول عام 1969م، حيث صلى أهل دمشق على فرناندو في جامع المرابط الذي صممه وبناه، ليدفن في المقبرة الإسلامية بباب الصغير، بعد معاناة مع المرض، عن عمر يناهز التسعين.
يقول الأستاذ فاروق الطباع: أسهمت عبقرية هذا الفنان في تطوير فن الهندسة المعمارية وتخطيط المدينة الدمشقية الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين, وما تزال ذكراه حاضرة في مدينة دمشق من خلال نتاجه المعماري المتميز، بمزجه بين عناصر فن العمارة الإسلامية؛ مثل ألواح القيشاني وتشكيلات النوافذ، والزخارف الخشبية الداخلية؛ مع ملامح فن العمارة الكلاسيكية الأوروبية، ولا سيما الطرازين الإسباني والألماني. ليسهم في تكوين مدينة دمشق المعماري، من خلال ماتركه من أثر مادي تمثل في مخططات عمرانية وأبنية رائعة، أحب حي المهاجرين، وكان مسكنه في جادة المرابط، قريباً من المسجد الذ بناه.
من أولى الأبنية التي نفذها بناء عبيد 1906م،وفيما بعد أشرف على تنفيذ مخطط ألماني لبناء عمارة عزت باشا العابد في ساحة الشهداء "المرجة" عام 1906، من أبرز أعماله محطة الحجاز التي بنيت العام1907، والمبنى الأساسي لجامعة دمشق1922م، وبناء السرايا (مقر وزارة الداخلية اليوم)، صمم منزل عطا الأيوبي وهو رائعة المساكن التي أنجزها في عام 1928 والذي يقع بجانب مقر السفارة الفرنسية بدمشق، وهو أشبه بالقصر بطرازه الأوروبي، وليس بعيداً عن موقع هذا المبنى، صمم بناء جميل مردم بيك عام 1930، في جادة نوري باشا، وهو بناء طابقي حديث، كما صمم بناء لخالد العظم في ضاحية دمشق بين الربوة ودمر، وإلى جانب هذه المنشآت المهمة في مدينة دمشق، مبنى المصرف التجاري1930م، ومبنى شركة مياه الفيجة، ومبنى وزارة السياحة، مبنى وزارة المواصلات الحالية عام 1940م، ومنذ ذلك العام بدأ ت خطواته العملية في تشييد فن معماري مميز في دمشق، انضم نفس العام إلى موظفي مديرية الأوقاف، شغل وظيفة الاشراف المعماري على مخططات الأبنية الرسمية في وزارة المواصلات، ومديرية الأوقاف، في عام 1949-1950م نفذ تصميم المهندس الفرنسي إيكوشار لتوسع الجناح الغربي للمتحف الوطني، بالإضافة إلى قصر العدل.
من أعماله ، أبنية أرض الطاووسية وهي جزء من وقف جامع الطاووسية، وكان طراز هذا المبنى الطابقي حديثاً وجذاباً، يقول السيد معتز المميز: اشترك فرناندو وزوجته السيدة صبرية فيإنشاء المبنيين، فكانت تلازمه وقت الإنشاء، ، ومن المباني التي استعمل فيها الإسمنت والموزاييك هو مبنى عمارة البسام قرب مجلس الشعب، ومن المباني العامة بناء مديرية الأوقاف قرب قصر العدل، وإلى جانبه بناء آخر مشغول اليوم كمقر للمصرف التجاري السوري.
معظم الأبنية التي صممها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، باسثناء منزل حقي العظم في المهاجرين، وبيت منيف اليوسف في حي الأكراد، فقد زالا بسبب التنظيم، وثمة بيوت أخرى لم تذكر كانت من تصميم وتنفيذ دي أراندا، زال بعضها أو بقي دون الإشارة إلى مصمم عمارتها.
هذا بالإضافة إلى أبنية خارج دمشق، مثل فندق زنوبيا في تدمر، الذي بني العام 1924 وأدارته نبيلة فرنسية رومانسية في الثلاثينيات، وكان من أبرز نزلائه الملك ألفونسو الثالث عشر، وأغاثا كريستي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق