الجمعة، 1 أبريل 2016

شفيقة سعد الدين الجباوي القوتلي ١٩٢٣- ١٩٩١ م

المربية الفاضلة شفيقة سعد الدين الجباوي القوتلي
١٩٢٣- ١٩٩١م


 أورد الغزي في الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة ترجمة محمد بن حسين بن حسن بن الشيخ سعد الدين الجباوي، شيخ الطائفة السعدية بدمشق، الشافعي الذي أخذ الطريق عن أخيه الشيخ أحمد، وتولى المشيخة من بعده، وتوفي يوم الجمعة سادس صفر سنة سبع وثمانين وتسعمائة/ 1579م (في عهد الخليفة العثماني السلطان مراد الثالث بن السلطان سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول) وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بجامع كريم الدين، وكانت جنازته حافلة، وخطب بالناس خطبة الجمعة يومئذ بجامع كريم الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي، وتعرض فيها للموت، ودُفن الشيخ سعد الدين بتربة الحصني خارج باب الله بدمشق، وتولى المشيخة من بعده ولده الشيخ محمد، وهو ليس بأكبر إخوته، بل أكبرهم أبو بكر، ثم محمد، ثم إبراهيم، ثم عبد القادر، ثم خليل، وهؤلاء أشقاء، ثم سعد الدين، وأمه من بيت عقور، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
تعود صاحبة الترجمة بالأصل إلى آل سعد الدين الجباوي، من أعرق العائلات الدمشقية، وأكثرها ارتباطًا بطقوس محمل الحج الشامي.
قدمت الأسرة السعدية لدمشق شخصيات دينية تركت بصمتها في عالم دمشق المتابع لعلوم الدين، منهم  شقيقها الأكبر العلامة محمد وحيد الجباوي،  صاحب الزاوية السعدية في حي القيمرية والتي مازالت عامرة حتى يومنا هذا،
أبصرت النور في منطقة الشاغور داخل السور عام 1923م.
نشأت في بيئة متدنية، وعليه حفظت القرآن الكريم كاملاً في سن مبكرة، وفيمابعد بدأت بتلقي علم الحديث ومتونه عن والدها رجل العلم والصلاح ( محمد صالح السعدي الجباوي)الذي كان معلماً ومديراً في مدارس دمشق وحمص. والذي كان يؤمن ان للمعلم رسالته ومكانته في المجتمع، هذا الفكر المستنير دفعه آلى العناية بإبنته لكونها بكر أولاده، ومع صغر سنها  أحبت اللغة العربية، فتلقت علومها من والدها بشغف، ولما تمكنت منها بدأت بحفظ الأشعار والأمثال. 
 تخطت المراحل التعليمية بفكر واع، لتنهي المرحلة الإعدادية بتفوق، وبناءاً على نصيحة والدها الذي بلغ سن التقاعد حينها اتجهت إلى سلك التعليم منذ عام 1936م، وهي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها حيث تم تعينها بالسلمية بريف حماه لمدة سنتين ونزلت بضيافة آل ميرزا من عائلات السلمية برفقة والدها الذي رافقها لصغر سنها، و خلال اقامتها بالسلمية زارها في تلك الفترة الآغاخان بنفسه و قدم لها الهدايا رعبون شكر على إخلاصها و تفانيها في عملها و محبة الأهالي لها، وفيما بعد تم تعيينها  في مدينة يبرود في ريف القلمون.
طلبت العودة إلى دمشق بعد وفاة والدها  وبدأت رحلتها الثانية من العطاء وذلك من خلال المشاركة في التعليم وإعالة العائلة ومتابعة تعليم شقيقاتها الثلاثة وأخوها الأصغر سناً، ومشاركة والدتها في تربيتهم فيما نشأت هي عليه. 
  سخرت في هذه المرحلة خبرتها العميقة في تربية وتعليم أجيالاً من الناشئة بما فيهم أخوتها اللاتي أنهين دراستهن وانخرطن في سلك التعليم، عندها أدركت أنها أتمت رسالة والدها، لتبدأ بهمة أكبر في تثقيف جيل عريض من خلال مزاولتها التعليم متنقلة بين مدارس عدة في مدينتها دمشق منها؛ مدرسة ذات النطاقين بحي ساروجا ورابعة العدوية بحي العمارة ومدرسة السيدة حفصة، وعائشة الباعونية، وماريا القبطية بمنطقة السادات.
كانت إمرأة معطائة أحبت مهنة التعليم، فعاشتها، خلال أربعين عاماً من العطاء، أحيلت على التقاعد عام 1976م .
كانت موسوعة في حفظ القرآن الكريم فلم تُسأل مرة عن آية إلا واتمتها و ذكرت موقعها و في أية سورة وماهي و اسباب نزولها، كانت مرجعاً في اللغة العربية.
و بخاصة الإعراب.
وعنها:" أولعت في المرحلة الإعدادية بالفنون،  التي تلقيتها من الأستاذ الفنان عبد الوهاب ابو السعود، والخطاط حلمي حباب، فأتقنت الفنون الزخرفية، و برعت بالفنون النسوية والتطريز والخياطة و حياكة السجاد اليدوي، ونقلت كل ذلك لطالباتيء".
  تركت صاحبة هذه السيرة الذاتية اعمال فنية عدة من تصميمها وتنفيذها أهمها قطع من السجاد اليدوي حيث عدت من الرواد  القلائل في هذا المجال.
شاركت بأعمالها في العديد من المعارض الفنية والمدرسية ونالت عليها شهادات التقدير و الثناء، و مازالت تلك القطع الفنية الرائعة محفوظة لدى ابنائها وهي قطع من السجاد النادرة المحبوكة على النول اليدوي، والتي تضاهي بجودة صناعتها السجاد العجمي، لتكون تحف رائعة لا تقدر بثمن.
تزوجت من المرحوم عدنان القوتلي ولم يمنعها الزواج والإنجاب، من متابعة مهنتها المقدسة في التعليم فكانت المربية الفاضلة ولأم الحنون.
 الأم العطوف والمربية المثالية كانت تتابع شؤونهم ودراستهم وحتى خياطة ثيابهم للبيت وللمدرسة، كانت فنانة فكان نتاجها في المجمل جميل وبسيط وأنيق.
أعطت دمشق خمسة مبدعين هم؛ مازن القوتلي استاذ في كلية التربية بجامعة دمشق و فنان تشكيلي، المرحوم ممتاز القوتلي مبدع و مبتكر في المجالات الصناعية و التطبيقية، معتز القوتلي فني في الميكانيك، مسلم القوتلي علوم اقتصادية.
 وأعطت موروثها الفني لإبنتها امل القوتلي الفنانة التشكيلية المبدعة.
وافتها المنية عام 1991 بعد رحلة مليئة بالعطاء والبذل والمحبة فقد كانت عالمة و متعلمة و معلمة و فنانة ومربية مثالية من الرعيل الأول رعيل الزمن الجميل.
 تحملت ضغوطات الحياة والعمل لم تشتكِ يوماً چولم تتذمر  ولم يعرف عنها من عرفها آلا الإبتسامة الرقيقة والعطاء.
أحبتها دمشق لتفانيها في العطاء، وأحبت  هي دمشق فأعطتها أجيالاً متعاقبة من المبدعين، وسيحبها من يقرأ هذه السطور لما عرفت به من خلق حسن، وإيجابية متدفقة، إنها المربية الفاضلة شفيقة سعد الدين الجباوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق