الخميس، 17 مايو 2012

جادة السنجقدار


 تمتد من ساحة المرجة شرقاً حتى باب النصر عند المدخل الغربي لسوق الحميدية، وتتفرع عنها أسواق عدة تنتهي من جهة الشمال عند سوق التبن ومن جهة الجنوب عند شارع جمال باشا ( النصر).
وتعود تسميتها إلى الكلمة الفارسية السنجق وتعني الراية التي كانت تحمل إلى جانب محمل الحج المتوجه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج.

تعرض القسم الجنوبي منها والمتاخم لسوق التبن إلى حريق كبير نجم عن اندلاع النار من سينما النصر الكائنة عند زاوية جادة الناصري عام  1928
مما أدى إلى امتداد اللهب إلى المحال التجارية والبيوت الخشبية المجاورة فاحترقت جميعها بما في ذلك جادة الناصري  والفنادق المجاورة وجزء من سينما زهرة دمشق عند ساحة المرجة، ولقد كتب المهندس خليلي الفرا رئيس جمعية أصدقاء دمشق في مفكرته عند الحادث  العبارة التالية في يوم 20 حزيران 1928م في الساعة الثانية بعد الظهر بدأ حريق عظيم في شارع الناصري واستمرإلى اليوم التالي الخميس 21منه وقد حضرت إطفائية بيروت لمساعدة إطفائية دمشق في إخماد الحريق أعيد تنظيم منطقة السنجقدار بعد الحريق فتبدلت معالمها وفتحت فيها جادات جديدة أطلقت عليها تسميات اختلفت عن سابقتها بعض الشيء وكانت التسمية البديلة شارع الفرات.
كانت جادة السنجقدار وماتزال سوقاً تجارية ، احتوت كثير من المحال التجارية المتخصصة في بيع الحلويات الدمشقية والفواكه المجففة ؛ إلى جانب الفنادق التي سميت فيما مضى لوكاندات كلوكندة سنترال، فوق بداية سوق الخجا من الجهة الشمالية، إلى جانب مدخل سوق السروجية، ولوكندة دار السرور لصاحبها الحاج داوود آغا الشيخاني، التي احترقت أثر حريق السنجقدار عام 1928م.

كذلك تواجدت فنادق عدة بالإضافة إلى ماذكر كالفيحاء، الجامعة العربية؛ الإتحاد العربي، الأمراء، الفنق الأموي ، قصر الرغدان، قصر عابدين الكبير، ومن المطاعم مطعم الأدلبي، علوان، ومن الصحف النضال للدكتور سامي كبارة، والعالم للمهندس موفق الميداني، أما المجلات التي تواجدت مكاتبها في هذه الجادة فكانت الدنيا لعبد الغني العطري، الفن والراديو لعثمان شحرور، إلى جانب عيادات وصيدليات ومكاتب محاماة والعديد من المهن الأخرى.
كمحل نور الدين رمضان الذي كان سينمائياً وميكانيكياً ماهراً في إصلاح آلات التصوير وصانعاً لقطعها ونوابضها الدقيقة في محله الكائن أعلى المبنى المجاور لجامع السنجقدار الذي يعد من أهم المعالم الأثرية التاريخية فيها.

من أهم المعالم جامع السنجقدار
هو من المساجد المملوكية التي بُنيت خارج أسوار مدينة دمشق القديمة ، ويقع الجامع في محلة السنجقدار مقابل الباب الغربي "أو باب السر" لأسوار قلعة دمشق الغربية ولا يفصله عن مدخل أسوقها سوى أمتار قليلة ، وكان السلاطين والأمراء يدخلون من هذا الباب ويخرجون سرا دون أن يراهم أحد من الرعية .
وكلمة السنجق دار تعني " حامل السنجق السلطاني" ، وهو اسم مركب من لفظين ‏:‏ أحدهما تركي وهو " سنجق " ومعناه الرمح وهو في لغتهم مصدر طعن .. فعبر به عن الرمح الذي يُطعن به‏ ؛ والثاني دار ومعناه ممسك ويكون المعنى " ممسك السنجق " وهو الرمح  والمراد هنا " العلم " أي الراية كما تقدم والتي توضع في أعلى الرمح .
شُـيد الجامع زمن نائب السلطنة المملوكية بالشام الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري عام 749 للهجرة الموافق 1348 للميلاد ، ولم يكتمل بنائه نظراً لقتله ذبحاً ليلة الخميس الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة 750 للهجرة الموافق 1348 للميلاد كما سيرد لاحقاً ودفن فيه سنة 751هجرية الموافق 1349 للميلاد .

وقد جُدد حرم المسجد في العهد العثماني عام 1008 للهجرة الموافق 1599 للميلاد أيام سنان آغا الينكنجرية أي ( جاويش الأنكشارية ) .
شرح لنا الدكتور طلس عندما إحصائه مساجد دمشق عام 1942 للميلاد أن سبب تسميته بجامع السنجقدار لأن فيه ضريح العباس بن مرداس حامل لواء ( سنجق ) الرسول صلى الله عليه وسلم كما ورد في تاريخ التهذيب لابن عساكر .

للجامع حبهة حجرية عالية من الحجر الأسود و الأبيض ، فيها باب مقرنص لطيف كتبت عليه أبيات شعر تركية ، والى يمين الداخل الى الصحن قبة عالية جداً ، فيها محراب حديث ، وأربعة أضرحة ، كتب على الأول القبلي انه قبر (العباس بن مرداس )، وعلى الذي يليه أنه قبر ( خُفاف بن ندبة ) ، وعلى الذي يليه انه قبر ( روق بن دثار ) ، وعلى الأخير انه قبر ( إحدى النساء الصالحات ) و بعضهم قال هو قبر ( الخنساء ).
وصحن الجامع صغير مفروش بالحجارة السوداء و البيضاء والموزاييك ، وفي غربيه سقاية ماء من نهر بانياس  القبلية قائمة على ثلاث قناطر ضخمة تقوم على أعمدة عالية ومن أمامها ثلاث قناطر أخرى ، من أمامها ثلاث أخرى ، ثم المحراب و المنبر ، وهما حديثان ، و للمسجد منارة تقوم دائرة الأوقاف الإسلامية على إعادة بنائها من جديد 1941.
ومازال هذا الجامع اليوم محتفظاً بواجهته المملوكية رغم ترميمه من الداخل في عصر لاحق ، وما زال الباب يحمل الملامح التزينية المملوكية القديمة حيث انه متوج بمقرنصات محرابيه الشكل كما هو الحال في معظم المباني و المساجد المملوكية التي أنشأت في العصر المملوكي .

تضررت المئذنة أثر زلزال دمشق الشهير سنة 1173 للهجرة الموافق 1759 أيام سلطنة السلطان العثماني عبد الحميد الأول فرممت ، كما جُدد الجامع مرة أخرى سنة 1236 للهجرة الموافق 1847 للميلاد أيام ولاية الصدر الأسبق درويش باشا الثاني و في أعلى الباب كتبت عليه أبيات شعر باللغة العثمانية ذات الحروف العربية ولكني لم استطع قراءتها لعلوها و لعدم وضوح الأحرف نفسها ، وإنما استطعت أن أقرأ التاريخ الواضح قليلا في آخرها : هو سنة 1236 هجرية وهي على ما يبدو تمجيداً للصدر الأعظم درويش باشا .
أما المئذنة فقد تم تجديدها بالكامل في منتصف أربعينات القرن العشرين و نستطيع ملاحظة ذلك من خلال حجارتها الجديدة بالمقارنة مع أحجار الواجهة الشرقية المتاخمة للمئذنة .
وقد نقضت المئذنة بعد حريق السنجقدار الذي نشب عام 1928 و أعيد بنائها من جديد ولكن للأسف على شكل مغاير لما كانت عليه مما أدى الى تغيير معالمها وجذورها التاريخية المملوكية .

يعد جامع السنجقدار من أهم آثار المساجد المملوكية في دمشق المتمتعة بواجهة حجرية جميلة بالإضافة الى مقرنصات بوابته ، والتربة المسقوفة بقبة .. والموجودة إلى يمين المسجد ، أما المئذنة الجديدة فهي رشيقة جميلة ، مشيدة على الطراز الشامي بتأثير مملوكي غني بالزخارف و قد فصل زخارفها الدكتور قتيبة الشهابي في كتابه مآذن دمشق من أراد المزيد عنها .

وتأتي أهمية هذا الجامع لكونه كان مركزاً لانطلاق محمل الحج الشامي إلى الديار المقدسة حيث أن قافلة الحج تنطلق أولاً من مسجد أبي الدرداء في قلعة دمشق .. يتقدمها السنجق الشريف ، ويؤتى به من سوق البوابجية إلى جامع السنجقدار حيث يصلي وجهاء القوم صلاة العصر جماعة بإمامة أمير الحج تأسياً بنائب السلطنة الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري حتى انقضاء صلاة المغرب .
المصادر
قتيبة شهابي: دمشق تاريخ وصور
بحث للأستاذ عماد الأرمشي: جامع السنجقدار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق