الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

الأستاذ أنطون المقدسي مفخرة سوريا



وُلِدَ في يبرود (دمشق) عام 1914، والده ميخائيل المقدسي وأمه حنة، وكان البكر بين أخوته حسب التسلسل: زكية، مريم، وتوفيق. درس الابتدائية في مدرسة يبرود الأسقفية، وقسماً من الثانوية في يبرود والقسم الآخر في دمشق (بكالوريا أولى وبكالوريا ثانية) وذلك في عامي 1933–1934.
نشر أولى كتاباته في مجلة لبنانية وهو في السابعة عشرة من عمره، ورفض ناشر المجلة التصديق بأنه كاتب المقالة حين التقاه لأول مرة!، أما كتاباته الأولى في الصحف الأدبية فقد بدأت فعلياً منذ عام 1938.
بدأ دراسته الأكاديمية في كلية حقوق الجامعة السورية، إلا أنه مالبث أن غادر دمشق متوجهاً إلى فرنسا وذلك خلال الحرب العالمية الثانية كي يدرس الفلسفة الإغريقية وعلم الاجتماع حيث حصل على إجازة في الفلسفة وشهادة في الأدب الفرنسي من جامعة مونبيلييه.


ليعود إلى وطنه وليعمل مدرساً للفلسفة في ثانوية حمص (اعتباراً من تشرين الأول 1940) ثم في حماة وفي دمشق ثم في حلب. كما درّس أيضاً علم النفس والتربية في دار المعلمين بحلب أولاً و دمشق فيما بعد. درّس الفلسفة اليونانية في جامعة دمشق طوال عشرين عاماً، كما درّس الفلسفة السياسية في المعهد العالي للعلوم السياسية لمدة أربع سنوات.
إلا أن عشقه القديم عاد ينبض في القلب ليكمل تحصيله القانوني في كلية الحقوق، ليحصل على إجازة في الحقوق وأخرى في العلوم السياسية من مدرسة الحقوق الفرنسية في بيروت، وكانت ما تزال تابعة لجامعة ليون (فرنسا)، لينخرط في الحياة السياسية نصيراً لاستقلال الوطن والمستضعفين من أبنائه، ومدافعاً عن عروبة فلسطين، ومناضلاً في سبيل وحدة العرب! فكان صديقاً لزكي الأرسوزي و ساطع الحصري.

حفز الحركة الشعبية التي عرفتها سورية بدءاً من أواخر الأربعينات، من خلال زياراته المتكررة للقرى وفقراء المدن، حيث نشر لديهم الوعي بحقوقهم، وأهمية دورهم في الحياة العامة.
كذلك كان له دور مهم في الجامعة، جعل منه أحد أبرز العارفين بالفلسفة اليونانية في الوطن العربي، وواحداً من أكثر الأساتذة قرباً من الطلبة وحواراً معهم.
كذلك يعد أنطون المقدسي أحد مؤسسي حزب الاتحاد الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني، وواضع لدستوره ونظامه الداخلي، كذلك كان أحد الذين كتبوا وثيقة الاندماج، وحين اندمج هذا الحزب عام 1953 مع «حزب البعث العربي» «حزب البعث العربي الاشتراكي» ا
ليننسحب منه وفور وصول الحزب إلى السلطة  ويغادر النشاط السياسي نهائياً ويتفرغ للعمل الفكري، بكتابة دراسات فكرية وتاريخية وفلسفية.

عقد قرانه عام 1955على من أحب لوريس، بحضور المقربين من أصدقائه؛ ليقطن في حي  ركن الدين؛ ومنه كانت له تجربة كبيرة حيث خالط وتعرف على الوسط الشعبي مباشرة، ليقيم لاحقاً في حي ا لشعلان اعتباراً من عام 1969.

في ظلال الثقافة والفكر والمحبة كون أسرته المكونة من: سمر التي أصبحت فيما بعد عازفة بيانو عالمية وتخرجت من كلية الصيدلة وتزوجت وهي مقيمة في ألمانيا، ثم ميشيل الذي حصل على الدكتوراه في علم الآثار وهو الآن مدير التنقيب والبحث الأثري في مديرية المتاحف والآثار في دمشق ومتزوج، وأخيراً لينا وهي مهندسة كهرباء ومتزوجة ومقيمة في دمشق.

ترك أنطون المقدسي الجامعة السورية، وتفرغ لعمله في وزارة الثقافة مسؤولاً عن مديرية الترجمة والتأليف منذ عام 1965 ولغاية عام 2000. اشترك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969، وظل عضواً في مكتبه التنفيذي حتى عام 1996.
أدخل الحداثة إلى نوعية الموضوعات التي أصدرتها الوزارة، كما أدخل كافة التيارات الفكرية والنقدية الحديثة إلى سورية.فاستطاع بذلك أن يجعل من إصدارات وزارة الثقافة السورية أهم إصدارات الكتب في الوطن العربي.

لم يكن مثقفاً عادياً  كان عالماً بامتياز أحب مهنته فبادر إلى الإشراف على ترجمة ونشر أهم ما عرفته المكتبة العالمية منذ منتصف القرن الماضي، فضلاً عن الكلاسيكيات الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية والروائية والفكرية والسياسية، ترجم فكر ماركس إلى العربية لتسنح الفرصة لدراسته، حوَّل مديرية صغيرة في وزارة الثقافة يعمل فيها عدد من الموظفين إلى واحدة من أكثر دور النشر العربية أهمية، كماً ونوعاً. بعد أن أشرف خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة من القرن المنصرم على إنجاز أضخم وأغنى مشروع ثقافي ظهر في سورية إلى الآن، إذ تمكن من خلال إدارة التأليف والترجمة هذه من نشر حوالي 3000 كتاب (مؤلف ومترجم) لكبار الكتاب والمفكرين من مختلف العصور. وعلى هذا النحو يُعد أنطون المقدسي واحد من ألمع المثقفين العرب المعاصرين، بعيداً من الانزلاق في إغراءات المناصب والألقاب.
لقب  في الأوساط الثقافية السورية بـ«الأستاذ» لكونه يناقش ويحاور ويوجه ويلقي المحاضرات، وكان ذا معرفة واسعة بمختلف أنواع وأشكال الفكر، وبمختلف الاتجاهات الفلسفية القديمة( اليونانية) والحديثة. وتقديراً لخدماته لمواطنيه  بقي المقدسي في الوزارة بعد التقاعد وفي ظل شيخوخة صريحة، يعمل لساعات طويلة، قراءة وكتابة وإدارة ونقاشاً ومقترحات ومشاركة في ندوات.


أمضى المقدسي أيامه الأخيرة في مستشفى الطب الجراحي بدمشق، وأكد على أسرته  أن تكون جنازته بسيطة، تخلو من المراسم  بحضور أصدقائه المقربين لينتقل إلى الملكوت الأعلى في  5/1/2005 بعد حياةٍ مفعمة بالعطاء والحب.
مؤلفاته

«حرب الخليج، اختراق الجسد العربي»
أعماله

1) «فاسا جيليزنوفا»، تأليف: مكسيم غوركي، ترجمة: أنطون المقدسي، وزارة الثقافة، 1981.
2) «مبادئ الفلسفة: مشكلة المعرفة»، تأليف: أنطون المقدسي، وزارة التربية، 1985.
3) «الصوفانية (1982–1990)»، بقلم: الأب الياس زحلاوي (وقائع وذكريات)، الأستاذ أنطون المقدسي (تأملات)، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، 1991.
4) «حرب الخليج: اختراق الجسد العربي»، تأليف: أنطون المقدسي، دار رياض الريس للنشر، 1992.
5) «المسألة القومية على مشارف الألف الثالثة: دراسات مهداة إلى أنطون مقدسي»، بالاشتراك: أنطون المقدسي في مقالة أكثر من مئة صفحة بعنوان إشكالية الأمة.
6) «الأستاذ»، إعداد وتقديم: د.علي القيم، مجموعة مقالات لأنطون المقدسي معظمها في مجلة المعرفة منذ 1968 حتى 1992، وزارة الثقافة، 2006.
7) «الحب في الفلسفة اليونانية والمسيحية»، تقديم: أحمد حيدر، مراجعة: د.علي القيم، مجموعة محاضرات في السنة الثالثة لمادة الفلسفة في العام الدراسي 1953–1954، وزارة الثقافة، 2008.

المقالات المنشورة في الصحف العربية
1– في الأدب:

- «قضايا الأدب وضرورة إنتاجه»، 90 صفحة، في قضايا الأدب العربي، سلسلة الدراسات الأدبية 2، الجامعة التونسية، مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، 1972.
- «مدخل إلى دراسة الأدب والتكنولوجيا»، 50 صفحة، الموقف الأدبي، عدد 12، نيسان، 1973.
- «وطن ألّفه الكلام»، مجلة المعرفة السورية، عدد 147، أيار 1974 (عن فرادة الشعر الفلسطيني).
- «العقل في الأدب: مقدمات عن معقوليات الحداثة الأدبية»، 20 صفحة، الموقف الأدبي، عدد 1، أيار، 1974.
- «الحداثة والأدب – الموجود من حيث هو نص: رؤياه وإبداعه»، 20 صفحة، الموقف الأدبي، عدد 9، 1975.
- «مقاربات من الحداثة»، 60 صفحة، مواقف، عدد 35، ربيع 1979.
الأبحاث والأعمال الأدبية، منها:

- «الرواية والأصل»، مقدمة لـ«رواية الأصول وأصول الرواية» لمارت روبير، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1987.
- «عبد الله يبحث عن نفسه» مقدمة لـ«عبد الله والعالم"، لخالد محيي الدين البرادعي 1992.
- «قراءة في سفر الصحراء»، مقدمة لأعمال الشاعر وصفي القرنفلي.
- «قراءات في حياة عبد البر ونصوصه»، مقدمة لأعمال عبد البرعيون السود.
- «طريقة»، مقدمة لأعمال الروائي جورج سالم.
2– في الفلسفة:

- «من الوجود إلى الوجودية»، المعرفة، عدد 85، سنة 1969.
- «لينين والفلسفة المادية»، 30 صفحة، المعرفة، عدد 99، أيار 1970.
- «في البدء كان المعنى»، المعرفة، عدد 113، تموز 1971.
- «الفلسفة تبحث»، 115 صفحة في كتاب «عن الفلسفة» لإبراهيم الفاضل، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1979.
- «العقل وغير العقل، عقلانية في البحث عن موقع العقل»، الوحدة، عدد 55، عام 1988.
- «من المنطق إلى الميتافيزيقا»، المعرفة، عدد 334، تموز 1991.
- «ما هي الماركسية؟ قراءات الياس مرقص في أسفار الماركسية اللينينية»، 30 صفحة، المعرفة.
- «الفلسفة تحاور الأدب»، المعرفة، العدد 350، تشرين الثاني، 1992.
3– في الاقتصاد:

- «مقومات أولى للاقتصاد الحديث» المعرفة، عدد 176، 1976.
- «ديالكتيك الاقتصاد ومنهجه لدى كارل ماركس»، المعرفة، عدد 112، 1971.
4– في الفكر العربي المعاصر:

- «في الطريق إلى اللسان: بحث في الأرسوزي واللغة»، الموقف الأدبي، عدد 3–4، 1972، وكذلك مقدمته لأعمال الأرسوزي.
- «الأمة في فكر الحصري والأرسوزي القومي»، المعرفة، عدد 195، 1978.
- «الحصري يعرف الأمة»، المعرفة، عدد 204، 1979.
- «صدقي اسماعيل مفكراً، مع تأملات في الفكر والأدب»، المعرفة، عدد 164، عام 1984.
5– في القضايا العربية:

- «القضية الفلسطينية والغرب المسيحي»، المعرفة، عدد 110، 1971.
- «الوحدة في المعرفة العربية»، المعرفة عدد 130، 1972.
- «النهاية في البداية»، الموقف الأدبي، عدد 59–60، 1976.
- «من الحوار إلى طريق الحوار: محاولات في جذور الفكر القومي»، المعرفة، عدد 198، 1978.
- «الطريق العربية إلى الأمة»، المعرفة، عدد 199، 1979.
- «المثقف العربي والديمقراطية»، المعرفة، عدد 139، 1982.
- «الصورة العربية عن الحضارة الغربية والاستجابة لهذه الصورة»، في «العلاقة بين الحضارتين العربية والأوروبية، وقائع ندوة هامبورغ، نيسان، 1983»، الدار التونسية للنشر، 1985.
- «تيارات الإحياء الديني ومستقبل الثقافة في لبنان– أولوية الحل الثقافي»، الكاتب العربي، عدد 12، 1985.
- «النهضويون المسيحيون العرب»، مقال بالفرنسية في وقائع ندوة «مسيحيو العالم العربي»، باريس، 1987.
- «الديمقراطية في مواجهة العنف»، الموقف الأدبي، عدد 211، 1988.
- «حرب الخليج: اختراق الجسد العربي»، دار رياض نجيب الريس، 1992.
6– الفن التشكيلي:

- «العقلي واللامعقول، من بولدلير إلى الفن الحديث»، الموقف الأدبي، عدد 2، عام 1972.
- «الفن والإنسان، وإلياس زيات»، الحياة التشكيلية، وزارة الثقافة، دمشق.
- «ساعات مع الفاتح»، الحياة التشكيلية، وزارة الثقافة، دمشق.
- «ذلكم هو الإنسان»، (عن الفنان مروان قصاب حسن)، الحياة التشكيلية، وزارة الثقافة، دمشق.
- «إن لم تكونوا كالأطفال»، عن رسوم الأطفال اللبنانيين، الموقف الأدبي، عدد 4، 1974.
وداعاً

رحل ولكنه لم يرحل من خلال ماترك لموطنه ومواطنيه من تراث فكري عميق الجذور؛ فأنطون مقدسي لم يكن مدرساً، ولا مجرد أستاذ، لقد كان فيلسوفاً يمتلك وجهة نظر خاصة به. فكان مايعرضه من  الفلسفات على طلابه أو ما يضمنه لمقالاته المنشورة مجرد مناسبات ليكشف عن مواقفه الفلسفية الخاصة. فكان يفكر على غرار الفلاسفة بينما يمتلك فكره الخاص.
«أنطون المقدسي كان أكثر من أكاديمي، أكثر من مدرس فلسفة، فقد عاش عصره وتفاعل معه وعانى مشكلاته،


«لن ننسى، أيها الأستاذ والمعلم، قلقك على المسيحية في الشرق عامة وفي فلسطين خاصة، وكان كبيراً. ولن ننسى خوفك على العرب، وكان شديداً. ولن ننسى أن نكون أسوة بك، أبناء هذه الأرض وهذا التاريخ وهذه الثقافة. ارقد بسلام الرب والأرض، فقد أدّيت الأمانة». الأب إلياس زحلاوي
من أقواله "عندما تصبح الثقافة رسالة. وأية رسالة أعظم من أن يسهِم الإنسان في إعادة تكوين مجتمعه وإنسان هذا المجتمع. تلك كانت رسالة الأنبياء".
دمشق –أواخر كانون الثاني– 1992







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق