الأربعاء، 29 يونيو 2011

صلاح الدين الأيوبي1137-1193م

ماتزال ذكرى البطل صلاح الدين الأيوبي حية تتناقلها ذاكرة الأجيال جيل بعد جيل، وما تمثال صلاح الدين الجاثم أمام قلعته الذي أزيح عنه الستار عام 1993م، فى الذكرى الثمانمائة لوفاة صلاح الدين، إلا دليل على ذلك.

تلقّى صلاح الدين في دمشق العلم على أيدي كبار العلماء، وأتقن الفروسية والفنون القتالية على يد عمه القائد شيركوه، وخلال رحلته مع العلوم والفروسية تشرّب صلاح الدين القيم النبيلة من شجاعة وشهامة، وحلم وكرم، ونبل ومروءة، وكان السلطان نور الدين قد لمح فيه النَّجابة، فرفع من شأنه، وأسند إليه منصب رئاسة شرطة دمشق، فقام بمهامه خير قيام وطهّر دمشق من عبث اللصوص وشرور المفسدين، ونشر في رحابها الأمن والاستقرار.

قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك دمشق،  كقائداً في جيشه، ونظراً لكفاءته أرسله نور الدين من دمشق إلى مصر على رأس جيش لمواجهة الصليبين، ليستكمل عمل عمه أسد الدين شيركوه، بسط سيطرته على مصر وعمل على صد الحملة الصليبية، فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169 م، وبعد موت العاضد سنة 1171م، وانتهاء الخلافة الفاطمية في مصر،  حكم صلاح الدين مصر كممثل لنور الدين، وبعد موت نورالدين سنة 1174 م اتخذ صلاح الدين لقب "سلطان".

في مناقب صلاح الدين يقول ابن الأثير الجزري، والقاضي ابن شدّاد: " وكان- رحمه الله - كريماً، حليماً، حسن الأخلاق، متواضعاً، صبوراً على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، … وكان عنده علم ومعرفة، وسمع الحديث وأسمعه، وبالجملة كان نادراً في عصره، كثير المحاسن والأفعال الجميلة، ... ".

تحدّث عنه أصحابه بكل محبة وإجلال، وكتب عنه أعداؤه بكل إعجاب وإكبار، حتى إنه حاز لقب لبطل الأنقى، اللقب الممنوح من قبل حفدة الفرنجة الذين قاتلهم وقارعهم في كل ساحة من ساحات شرقي المتوسط، منهم ألبير شاندور، صاحب كتاب (صلاح الدين الأيوبي البطل الأنقى في الإسلام).
فارس معركة حِطّين، هب الفارس صلاح الدين مدافعاً عن مواطنيه، مندداُ بأعمال الصليبيين فاستنفر القوات الإسلامية في كل من مصر والشام وكردستان، وهاجم حصون الفرنجة وقلاعهم في سنة (583 هـ/1187 م)، وخاض معركة فاصلة ضدهم في حطين قرب بحيرة طبرية بفلسطين، محققاً النصر الحاسم السبت (24 ربيع الثاني 583 هـ/4 تموز 1187م)، ليتقدم بسرعة نحو حصون الفرنج ليفتح حصون طبريّا، وعكا، والناصرة، وقيساريا، وحيفا، وصَفُّورية، وليستولي بعدهاعلى صيدا، وبيروت، وجُبَيْل أيضاً ، في حين زحف أخوه الملك العادل بجيش من مصر ففتح يافا، لتصبح الطريق مفتوحة إلى القدس أمام الجيش العربي، الذي سار بقيادة صلاح الدين الأيوبي ليصل إليها في( 15 رجب سنة 583 هـ/20 أيلول 1187 م)، فهاجم أسوارالمدينة في(27  رجب 583 هـ/2 تشرين الأول 1187 م)، بعد أن رفض الفرنج دعوته إلى السلم، وواصل الجيش الأيوبي زحفه
ببسالة متابعاُ القتال تحت وابل من قذائف الفرنج وسهامهم، ليصل خندق المدينة فيجتازه إلى سورها فينقّبه، اشتد القتال بين الفريقين، وشرع المسلمون يحفرون الأنفاق تحت الأسوار والأبراج، تمهيداً للدخول إلى المدينة، ولما تأكّد للفرنج أنهم غير قادرين على الاستمرار في المقاومة، اجتمع رأيهم على طلب الأمان، فأرسلوا وفداً إلى صلاح الدين بزعامة قائدهم باليان، ودارت المفاوضات بين الجانبين، وحقناُ لإراقة المزيد من الدماء، وافق على استسلامهم وفق شروط محددة، ليغادرالفرنجة بعدها القدس آمنين.
 نحن نتكلم في مقامنا هذا عن معركة تعتبر أم المعارك في التصدي لمطامع مستعمر أصر على النيل من العرب وإذلالهم، إلا أن حنكة صلاح الدين ونفاذ بصيرته في توليه زمام الأمور، رد كيد أعدائه في نحورهم. 
وفيما بعد، وبعد تحرير القدس، يعود صلاح الدين ليتصدّى بقوة للحملة الفرنجية الثالثة التي استهدفت استرداد بيت المقدس سنة (585هـ/1189 م)، ليعيد أعدائه خائبين من حيث أتوا.
توفي صلاح الدين، في فجر اليوم السابع والعشرين من شهر صفر، الموافق 4 مارس/آذار عام(589 هـ/1193 م)، وخرج أهل دمشق كباراً وصغاراً يشيّعونه إلى قبره بعيون دامعة وقلوب تتفطر حزناً.
لم يكن صلاح الدين عظيماً لأنه كان سلطاناً فقط، وإنما لأنه كان الابن البارّ لشعوب شرقي المتوسط، عرباً وكرداً وتركاً، ومسلمين ومسيحيين، استطاع بحكمته قيادة هذه الشعوب في واحدة من أخطر المراحل التاريخية، دون تعصبٍ لقومية، ولا تحيّز لدين، فرسّخ بذلك حقيقة التعايش بين مكوّنات البيت الكبير، لوعيه إلى أن قوة الشعوب تكمن في تآلفها وتكاملها ووحدتها.
واليوم نحن نٌذكر ببطلنا صلاح الدين، وبمعاناة صلاح الدين، وبجهاد صلاح الدين، لكي ننفذ إلى حماية أثر مهم من أوابد دمشق الأيوبية، إنه ضريحه الذي يذكرنا بماض أمتنا المجيد، والذي مازالت الأيدي العابثة تحاول المساس بحرمه، متجاوزة الضوابط المسموحة.

 في مقامنا هذا نحن أبناء سورية لانتصدى للتحضر والحداثة، وإنما نتصدى لرؤوس أموال قد تكون صهيونية، تحاول الاستثمار في قلب دمشق الأسد، في حرم الجامع الأموي، فوق معلم أثري مهم من معالم الحضارة الإنسانية، هولايخص صلاح الدين ودمشق فقط، بل يخص ذكرى شهداء الأمة عبر العصور، أولئك الذين قضوا مدافعين عن أوطاننا لكي يصلوا بنا إلى الحرية التي نعيشها اليوم .
وعليه يتوجب على أولي الأمر التتحقق من مصادر رؤوس أموال الاستثمار الأجنبية التي تعيث في تراثنا فساداُ، محمية من قبل أيد فاسدة تدعمها على تحقيق مآربها، وكما هو معروف تجلب الاستثمارات الأجنبية التحضر، إلا أنها تفرض التبعية والسيطرة الخارجية في مجالات أخرى.
   المصــادر
1- ألبير شاندور: صلاح الدين الأيوبي البطل الأنقى في الإسلام، ترجمة سعيد أبو الحسن، دار طلاس، دمشق، 1988م.
2- ابن الأثير: التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية بالموصل، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة، بغداد.
3- أحمد بن إبراهيم الحنبلي: شفاء القلوب في مناقب بني أيوب، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، 1996 م.
4- بهاء الدين بن شدّاد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، ط 1، 1964 م.
5- ابن جبير: رحلة ابن جبير، دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1964 م.
6- جنفياف شوفيل: صلاح الدين بطل الإسلام، ترجمة جورج أبي صالح، دار الأميرة، بيروت، 1992 م.
7- ابن خلّكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، 1968 م.
8- ستانلي لين بول: صلاح الدين وسقوط مملكة القدس، ترجمة فاروق سعد أبو جابر، وكالة الأهرام، القاهرة، 1995 م.
9- الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، الحركة الصليبية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1982 م.
10- أبو شامة: عيون الروضتين في أخبار الدولتين، تحقيق أحمد البيسومي، وزارة الثقافة، دمشق، 1991 م.
11- الفتح بن علي البنداري: سنا البرق الشامي، تحقيق فتحية النبراوي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1979 م.
12- فوشيه الشارتري: الوجود الصليبي في الشرق العربي، ترجمة الدكتور قاسم عبده قاسم، منشورات ذات السلاسل، الكويت، ط 1، 1993 م.
13- المرتضى الزبيدي: ترويح القلوب في مناقب بني أيوب، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجّد، دمشق، 1969.


14- المقريزي: الخطط، تحقيق الدكتور محمد زينهم، مديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، 1998.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق