الخميس، 29 أغسطس 2013


حي الحلبوني

 يقع حي الحلبوني في منطقة البرامكة، إلى الغرب المجاور لمحطة الحجاز، ويمتد إلى مشفى دار التوليد في البرامكة.

عرفت محلة الحلبوني في العهد المملوكي باسم وادي الأعجام، كم ذكر ابن قاضي شهبة في القرن الثامن للهجرة، ( الجنوب من وادي شقرا الذي يقع إلى الغرب من وادي البنفسج المشهور)، وفيه وجدت محلة الخلخال، التي تعد من أجمل بقاع دمشق، وفيها قبور البرامكة، وقسم من محلة المنيبع، أو عين المنيبع التي تعني بالسريانية العين المتفجرة، ويعزى ذلك لمرور نهر القنوات فيها، أو وجود عين ماء متدفقة هناك.

  يقع وادي الأعجام، حيث توجد زاوية تحمل نفس الاسم في موقع جنينة النعنع اليوم، التي زالت آثارها، وتحول الاسم إلى بستان الأعجام ليحمل في أواخر القرن الماضي اسم زقاق المنلا، وظل كذلك إلى أن اشتراه حسن أفندي الحلبوني وعمر فيه قصره سنة 1340هـ، وعمر إلى جانبه الجامع الذي عرف به، ليمتد العمران إلى البستان، لتشيد أبنية كثيرة، ليطلق على الحي بكامله حي الحلبوني.

أما نسبة الحلبوني، فتعود إلى قرية حلبون من قرى التل شمالي دمشق والتي تشتهر بطيب هواءها وجبالها ومتنزهاتها.

من طريف ماروي حول حي الحلبوني: ان منشىء الحي كان قد ظفر بإحدى طمائر الجيش العثماني عقب انسحابه من بلاد الشام، عام 1918م، وهي عبارة عن صناديق عدة مملوءة بالذهب العصملي الوهاج، فصار من كبار الأغنياء وأثرى، ومن هذا المال عمر القصر والجامع، وربما تكون الرواية لاتعدو مبلغ الأقاويل.

من أهم المباني القائمة إلى اليوم، جامع الحلبوني، شيده الحلبوني عام 1933م.

زارت مدونة دمشق الأستاذ أكرم العلبي، صاحب كتاب خطط دمشق؛ الذي أورد: بأن جامع الحلبوني من أهم العمائر في المنطقة، لكونه الأقدم ومن تسميته استمد اسم المكان، من المساجد التي بنيت في العهد الفرنسي، في موقع بستان الأعجام، نسب إلى اسم بانيه،  وكانت تحيط به من جهة الغرب حديقة غناء، أضيفت إلى الجامع عام 1402 هـ، فازدادت محاسنه، وتضاعفت مساحته، وصارت تقام فيه الجمع، فيه نقوش يعود تاريخها إلى 1352هـ و 1360هـ وربما أقيم الجامع على أنقاض مدرسة أو جامع كما يلاحظ من قبته، وذلك لوجود عدد من المدارس والمساجد والزوايا في المنطقة.

أما قتيبة الشهابي، فأورد في مؤلفه مآذن دمشق: بالنسبة لمئذنة الجامع، فهي من الطراز الهجين، فالطبقة الأولى من جذعها كثيرة الأضلاع تزينها أشرطة، حجرية بارزة، تنتهي في الأعلى بأفاريز بارزة، تحمل شرفة مستديرة يحيطها درابزين مضلع من الحديد، لتنتهي الطبقة الثانية من الجزع بـ 12 ضلعاً يحيطها درابزين مضلع اسمنتي، مفرغ بدوائر تزينية،  تغطيها مظلة على شاكلتها، لينتهي رأس المئذنة بسوجق ثنائي الطبقة، زينت العلوية منه بالمحاريب، تعلوه قبة نصف دائرية، تحمل ذروة صنوبرية. وتمثل المئذنة قمة الفن المعماري الهجين التشكيلي، لما فيها من تناسق وتوافق وارتباط وانسجام.

وبجولة لمدونة وطن في حي الحلبوني، وجد أن العمائر تعود في بنائها إلى الفترة العثمانية وفيما بعد الفرنسية، وذلك لتطابق فن المعمار الهندسي فيها مع مناطق سكنية حديثة خارج السور، هذا مع وجود مزيج معماري بين بيوت عربية قديمة مازالت قائمة، بالتجاور مع أبنية ذات طابع معماري كلاسيكي. وبلقاء مع شيخ مهندسي الشام خليل الفرا قال: افتقدت بيوت حي الحلبوني المساحات الخلفية والجانبية، وهذا مايعني افتقادها للحدائق والفسحات السماوية، قطنتها الأسر الدمشقية العريقة، لموقعها وطيب هوائها، وما زال بيت الشيخ تاج الدين الحسني قائماً ليذكر بسكن رئيس الجمهورية السورية، كذلك سعيد الغزي،     الذي خلف ذكره بجادة الغزي الموجودة حتى الآن، وموفق النحلاوي، وغيرهم كثر.

ليتحدث الأستاذ نشوان الأتاسي: لطالما أحببت أحياء الشام فكنت أتردد عليها بشغف ولقد قضيت فترة دراستي الجامعية مقيماً في حي الحلبوني ( المنطقة مابين خلف مدرج جامعة دمشق، شارع المكتبات الجدار الخلفي لكلية طب الأسنان ومشفى الجامعة الطريق العام الفاصل بين الحلبوني والبرامكة)، والذي ضم بين جنباته مزيج اجتماعي فريد، كان الملاك دمشقيون، والمستأجرون من الطلاب من حمص وحماه، فعلى ماأذكر سكن في الجوار آل السيد والقضماني، والمقداد من حوران، وعائلة جركسية، وأخرى فلسطينية، بالقرب منها فرع لمنظمة تحرير فلسطين( القيادة العامة) كانت شوارعه نظيفة، ذات أشجار وارفة ظليلة، وللحي خصوصيته، وفيما بعد تحولت المنطقة تدريجياً من حي سكني هادىء إلى حي تجاري، ليحل محل سوق الوراقين  الكائن في المسكية الواقعة داخل السور.

وبزيارة لأشهر مكتبات الحلبوني، مكتبة أبو عبادة لصاحبها محمد زكي رمضان يوسف، تحدث عن أهمية حي الحلبوني، لموقعه المتميزبين أحياء دمشق القديمة والحديثة، وأهميته الثقافية من حيث طباعة الكتب المختلفة المناهج وتوريدها إلى داخل سورية والعالم. ليقول:  يرتاد مكتبتي كثيرون من جنسيات مختلفة للسؤال عن نفائس الكتب، منهم أمريكيين ويابانيين جمعتني معهم صداقة، ومنهم فرنسيين و ألمان من المستشرقين الذين يبحثون عن المعرفة المكتوبة. 

وبجولة لمدونة وطن داخل أزقة الحي وجدت بأن الحي يمثل قمة في التماذج الإنساني والثقافي والحضاري بين ماكان وبين ماهو موجود.

 

 

 

 

جميل أنور عبد الله زكريا 1890- 1932م- يطل من ميسلون



هو جميل أنور بن عبد الله زكريا من مواليد الشام، لعام 1890م، درس علومه الأولية، في دمشق، ليغادرها، إلى الأستانة، حيث انتسب إلى الكلية الحربية فيها، ليتخرج منها ملازم ثان، في الخيالة التركية، حضر الحرب التركية – اليونانية، على الحدود اليونانية، وكان مع زملائه في فرقة الاستطلاع، ولم يعد منهم إلا هو وأربعة آخرين، عين بعد الانقلاب التركي، بقيادة يحيى حياتي صبري، مساعداً لقائد القوات العسكرية التركية، عاد إلى وطنه بعد انتهاء الحرب مع اليونان، ليكون تحت إمرة قائد الجيش الرابع التركي جمال باشا السفاح، الذي طرده من عمله لوشاية عنه، انضم قيما بعد إلى الجيش العربي الفيصلي، عند دخوله إلى الشام، ورفع إلى رتبة ملازم أول خيال، التحق بقوات يوسف العظمة وزير الحربية، ليقف للدفاع عن دمشق في وجه القوات الفرنسية الغازية، بعد استشهاد البطل يوسف العظمة، بدأت القوات الفرنسية الهجوم، بالمدفعية والرشاشات، ونظراً لرباطة جأشه أصيب بعدة طلقات نارية من مدفع رشاش، ونقلته القوات العربية المنسحبة، إلى دمشق وأدخل مستشفى الغرباء ( الوطني) لإجراء جراحة  عاجلة له، حيث أشرف على علاجه الدكتور عبد القادر الزهرة، وكان من أوائل جراحي سورية، مدير المستشفى في تلك الفترة، والصيدلاني، أحمد عزت الشوا، ليتولى بعد شفائه قضاء حمص العسكري.
حياته الخاصة، كان مقرباً من والدته، وحزن حزناً شديداً لوفاتها، إلا أن وفاتها لم تثنه عن زيارة قبرها، والدعاء لها، وبينما هو كذلك، وإذ بإمرأة مغطات الوجه تقرأه السلام، كان فاتناً خجولاً، وكانت يافعة، شده إليها، لهجتها الأرستقراطية، وصوتها الرخيم العذب، أما عنها، فشعور غريب انتابها، أبدت من خلاله، كل اهتمام، بشخصه الوقور.

لحظات غريبة مرت سادها صمت غريب، رفدتها، أسئلة عدة، منها من تون، ومن تكونين، إنهما شخصان أحبا صاحبة القبر، هدية خانم الشوا، والدته، وصديقتها الحميمة، وكان اللقاء الأول في مقبرة الدحداح، عند مقابر آل زكريا، ورفعت الغطاء عن وجهها لكي تودعه، وسبحان الخالق، كم هي رقيقة، كم هي جميلة، وكان الحب.

وكان لابد له من السؤال عمن تكون، لتجيبه، بالتعريف عن نفسها، إنها أمينة اليوسف ، شقيقة، عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج الشامي عام 1916م، صاحب أول منزل خارج سور دمشق، سليل عائلة اليوسف المعروفة حسباً وجاهاً.

  فتنه برقتها، لم يأبه بمن تكون، امتلكت مشاعره، وكان الوداع، الذي تلته لقاءات عدة، حب رومانسي دب في العروق، لامفر من الانغماس فيه، كانت أمينة تكبره بخمسة عشر عاماً، ولكن الجو المحيط بها قد حمل عنها مشقة فرق السن، وفي لقاءهما الأخير، باحت له بمكنونات صدرها، وسألته عن الارتباط بها، جمدت الدماء في العروق، ليجيبها، كنت قد قطعت عهداً لزوجتي بدرية بنت طاهر بك زكريا، ولابد لي أن أسأل صاحبة العهد، إن كانت توافق، وتأذن لي، وكان وداع حزين، وكانت مصارحة مؤلمة للزوجة، التي هالها أن ترى الحزن في عيون زوجها، فما كان منها، إلا الرضا، والتسليم، ليعلن الزواج، بصورة رسمية، وليصبح جميل زكريا؛ عديلاً لأول رئيس جمهورية منتخب، علي العابد.

كان لطيفاً دمث الأخلاق راقي التعامل، حنون ملهوف، شغف بها، فأعطته فيض محبة، لاحدود له، وكانت المفاجأة، حمل أمينة خانم كان مفاجأة للجميع، ولكنها فرحتهما، ومضت الشهور، ليرى ابنهما تيسير نور الحياة، كان طفلاً جميلاُ، ولكنه كان وريث لثروة والدته أيضاً، في الحقيقة فرح الجميع، باستثناء الورثة، اكتملت حياة أمينة خانم، تيسير كان سعادتها، ولكن فرحتها لم تعمر طويلاً،  وغمر الحزن قلب أمينة خانم، عندما وجدت طفلها ووحيدها فاقد للحياة، بعد بلوغه شهره السادس، في ظروف غامضة.

لم تنجب أمينة خانم، بعد فقدها تيسير، خيم الحزن على العائلة، التي كانت يوماً ما سعيدة، لم يشعر أحد بحزن الأم الشديد، تقوقعت أمينة، ولم يسعفها كبر سنها على تناسي وتخطي مانزل بها من حزن وألم، لتلحق بطفلها بعدها.
قدم المترجم له استقالته، فأعفي من منصبه، ليلتحق بمدرسة الحقوق في دمشق، التفت إلى الدراسة بكليته، كان صديقاً للشاعر شفيق جبري زميله في الكلية، عمل على الترجمة لمعرفته بلغات عدة، فيما يخص بحوثه، اقتنى في منزله مكتبة حوت أمهات الكتب،  تقدم زملائه في تخصصه، كان ألمعياً في حبه للمعرفة، ولكن القدر لم يمهله ليتتم مابدأه فتوفي وهو يتابع دراسته في السنة الرابعة.
هذه مقتطفات من نجوم لمعت في سماء دمشق، في زمن غير الزمن، في فترة لم نكن موجودين نحن فيها، ولكن من الجميل أن نقرأ عمن كانوا، في زمن آخر، رحم الله أجدادنا وأوسع لهم. تمت

 

 


 

 

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

" حي الشعلان" حي الأجانب


" حي الشعلان" شارع الحرية

يقع حي الشعلان غربي جادة الصالحية، يتحدث عنه الدكتور أحمد الإيبش في كتابه معالم دمشق القديمة: تعود التسمية إلى آل الشعلان -أمراء الروّلة العشيرة العنيزية، ذاع صيتها بقوة البأس والكرم، وتخلد ذكرها في روايات حروب البادية وغزواتها، لافتاً إلى أن "اسم الشعلان" هو نسبة إلى جد العائلة ، ومعنى الاسم الأشعل من خالط شعره بياض، وهو من ألوان الخيل المحمودة؛ اشترى الشيخ نوري الشعلان رئيس عشيرة الروّلة في مطلع العشرينيات من القرن الماضي، دار ياسين باشا الهاشمي رئيس الوزراء العراقي السابق، الكائنة في الحي بدمشق، ومنذ ذلك الحين بنى الشيخ نوري مسجداً بجوار منزله، واتخذ المسجد والحي الشهير تسميته من اسم المالك الذي فتح منزله مضافة بجوار المسجد الذين عرفا بإسمه.

هذا وقد قامت مدونة وطن بزيارة الفنان التشكيلي عاصم زكريا ليحدثنا مشكوراً عن منطقة الشعلان كما صورتها ريشته ليقول: عرف موضعها في العهد العثماني بمنطقة بـ (طاحون الوز)، ليعرف المكان بزقاق الوز، وكان إلى الشمال منها محلة الشهداء، التي صورها حسب مشاهدته لها، كانت المنطقة منطقة خضراء خارج سور دمشق، تتناثر فيها بيوت ذان طابع دمشقي مع أسوار مبنية من الطين والتبن.

وبلقاء المهندس خليل الفرا، تبين بأن حي الشعلان نشأ بعد الاحتلال الفرنسي لمدينة دمشق، إذ دعت الضرورة إلى سكن الفرنسيين في حي واحد، - سكنتها الجالية الفرنسية والإيطالية والمسورين من المواطنين-، وعليه بين سنتي 1920-1930م؛  قسمت المنطقة بشكل عرضي، لتقوم عليها أبنية حديثة متراصة انعدمت بينها الوجائب، بسبب ضابطة بناء معينة، تميزت الأبنية بطابعها  الفرنسي، تميزت بواجهات من الحجر الكلسي الأبيض، وأسقف داخلية عالية، تزيد على الأربعة أمتار، وأبواب خارجية كبيرة، كانت خشبية في البداية، لتتحول إلى أبواب حديدية، وحسب الأستاذ عاصم زكريا: حلت الأبجورات الخشبية الحديثة محل الخصوص الخشبية التي غطت نوافذ البيت الدمشقي التقليدي؛ ليضيف وربما استورد الفرنسيون آلات نجارة حديثة لصنع الأبجورات التي انتشر استعمالها في مجمل الأبنية الحديثة فيما بعد، وبالرغم من انتشار الأبنية الإسمنتية إلا أن منطقة الشعلان لم تخل من وجود بيوت دمشقية تقليدية نموذجية، إلا أن التوسع المعماري استطاع أن يقضي عليها وعلى المساحة الخضراء الموجودة سابقاً، والتي كانت ترويها أقنية متفرعة من فرع نهر تورا أحد فروع نهر بردى.

أما المهندس عبد الفتاح أياسو – مدير التنظيم والتخطيط والتنمية العمرانية في محافظة دمشق – فأضاف: عن حدود منطقة الشعلان، تمتد المنطقة من زاوية معهد الفرنسيسكان- دار السلام- وتنتهي مع بداية حي السبكي، الذي يبدأ بحديقة السبكي الفسيحة، المتنفس الطبيعي للحيين، وتوازي جادة الحمراء وجادة عرنوس.

تحولت منذ تسعينيات القرن المنصرم من حي سكني، إلى حي تجاري؛ بسبب تطور الفعاليات الاقتصادية، ليصبح المحور التجاري هو المحور الرئيس فيها، مما أثر على تراثها المعماري، والذي أسهم في تغيير النمط  والهوية العمرانية للمنطقة بشكل عام، وهذا النمط الجديد للأبنية قلص  العناصر التقليدية الموجودة  سابقاً. مما جرد المكان من ذاكرته.

من أهم الأبنية القديمة التي مازالت قائمة، معهد الفرنسيسكان، كنيسة الآباء الفرنسيسكان، يضيف النهندس خليل الفرا: وكرد فعل على بناء الكنيسة، قام سليم الشلاح ببناء جامع بالقرب من بناء الإسعاف الخيري، وزارة الصحة، مضافة وجامع الشعلان- حسب معجم دمشق، قتيبة شهابي، تم إنشاؤه بين عامي 1926-1927م، ويشار الى ان مضافة نوري الشعلان الملاصقة للمسجد تفتح ابوابها كل يوم جمعة للمصلين، لتستوعب مع المسجد أكثر من 2000 مصلي يقصدونهما للصلاة. مسجد الشنواني؛ يقع إلى الغرب من شارع الحمرا، شرقي مسجد الشعلان، شيده سعيد الشنواني، عام 1922م، ودفن فيه عند وفاته عام 1933م. حسب مشيدات دمشق ذات الأضرحة، للشهابي.

أدى التوسع العمراني إلى توسع جادة الشعلان لتظهر كما يقول المهندس الفرا: جادات الحبوبي الأول، والحبوبي الثاني، والثالث. في منطقة كانت تسمى بستان الحبوبي.

ويفيد الدكتور هشام مهايني، تتوسط جادة الشعلان دمشق الحديثة، حيث تمثل الطابع المعماري الفرنسي الذي انتشر فيما بعد في الأحياء المجاورة، ليقول: على الرغم من انعدام المساحات الفاصلة بين الأبنية، إلا أنها تمتعت بحدائق داخلية، وفسحات جانبية، بالإضافة إلى وجود مساحات أمامية صغيرة عند مداخل بعض المباني.

ونقلاً عن الأستاذ محمد بسام سلام عن خاله علي الفوال: انتشرت بيوت المساكنة في بعض أنحاء الشعلان، فكان المنعمين من سكان الشام القديمة يخرجون إلى الحي طلباً للحياة الخاصة فكانت البيوت المتفرقة فيه ملاذاً بعيداً لتحقيق ذلك، ليقول أما بالنسبة للنسيج الاجتماعي، فقد ضم نسج اجتماعية متنوعة، تمتعت بالحرية في مزاولة الانتماءات السياسية نظراُ لتعدد الأحزاب السياسية في فترة الخمسينيات من القرن المنصرم، فأطلق على الحي شارع الحرية.

"حي الميدان" أصالة لاتنتهي


حي الميدان "  بوابة دمشق الجنوبية

أطلق اسم الميدان على  المنطقة الواقعة جنوب غرب مدينة دمشق، لوجود ميداناً رحباً واسعاً، تُقام فيه سباقات الخيل وجميع ضروب الفروسية من مبارزة ورماية ومصارعة. على أن الميدان لم يكن مقتصراً على هذه السباقات كما يرى الباحث الفرنسي جان سوقاجيه، بل كان ينزل به ويخيّم كلّ من تضيق المدينة عن إيوائه من الناس.


يعد حي الميدان أكبر ضواحي دمشق على الإطلاق، في جهتها الجنوبية. أقدم ذكر له كان في العهد الفاطمي، كما ورد لدى المؤرخ الدمشقي أبي يعلى القلانسي في كتابه "ذيل تاريخ دمشق" في حوادث سنة 363هـ. والجدير بالذكر أن به إلى اليوم مسجد قديم يعود إلى العهد الفاطمي، يٌعرف بمسجد" فلوس".ذكره في القرن السادس الهجري، ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" بقوله: "حارة الميدان المعروفة بالمنية".  ذكره  الباحث عيسى اسكندر المعلوف بأنه يعود إلى العهد الأموي تحديداً، فيقول: "وعقد الوليد بن عبد الملك ميداناً لسباق الخيل"..

سمي قديماً بميدان الحصى( الميدان التحتاني، اليوم)، تعود التسمية إلى تربته اللحقيّة المفروشة بالحصى، لوقوعه على مفاض سيل فرعي بردى القنوات والدّاراني.
لم تشهد ضاحية الميدان العمران الفعلي حتى العهد المملوكيّ (648-923هـ)، لوجود المدينة  ضمن السّور، عدا (العقيبة والصّالحية)،  حيث توكل على حمايته فتية الحي من هجمات اللصوص وقطاع الطرق والغزاة، مما ميزه بوجود " القبضايات والزكرتية" بكثرة فيه.

وفي لقاء مع إمام جامع الزيتون "عبد الهادي المؤذن" أفاد: بدأت الضواحي السكنية بالظهور خارج أسوار مدينة دمشق في العهد المملوكي، منها السويقات؛ كالسويقة وسوقة صاروجا، عدا التوسعات التي طرأت على الصالحية والعقيبة. ومنها أيضاً ضاحية الميدان التي بُدئ بعمارتها، فظهرت فيها المساجد وبعض المدارس، واشتهرت بزواياها الكثيرة، وما زال عدد كبير من هذه الآثار مائلاً إلى الآن، ومنها: جامع منجك، المدرسة القُنشليّة، الزاوية السّعديّة، تربة أراق السِّلَحدار، تربة النائب تنم (التّينبيّة)، تربة الشيخ حسن ابن المزلّق، وعدد من الترب المملوكيّة الأخرى. ولا نجد في الميدان اليوم أي بناء يعود إلى العهد الأيوبي، بل كانت آخر حدود أبنية هذا العهد عند محلّة باب المصلّى وشماليّها السويقة؛  كانت أرض الميدان قبل ذلك مجموعات منفصلة وقريّات، مثل القُبيبات؛ نواة حي الميدان الفوقاني (القسم الجنوبي من الميدان). وفيما بعد أخذت هذه الأحياء بالاتساع، حتى ارتبطت ببعضها وصارت ضاحية كاملة كبيرة جنوبي دمشق..

ليقول: أهم آثار العهد العثماني في الميدان: جامع مراد باشا،  حمام فتحي، كما تعود أكثر دور الميدان الفخمة إلى هذا العهد، ولكن تم هدم عدد كبير من هذه الدور الجميلة أواخر السبعينات عند شق الطريق المحلّق الجنوبي، كان من أجملها دار الموصلي ودار البيطار.

ويورد التاجر موفق المصري:، استقطب حي الميدان،  عدداً من أفراد السّلك العسكري المحلي (الإنكشارية اليرليّة)، لما اختص به الحي من الثراء الكبير من خلال تجارة الحبوب والمواشي والغلال الزراعية والمنتوجات الحيوانية. فظهرت طبقة كبيرة من الأعيان بالحي، جمع أفرادها بين الانتماء إلى السلك العسكري المذكور والتجارة الوفيرة الربح.

تباع في  الميدان التحتاني الحبوب بأنواعها في حوانيت فسيحة تُسمّى بَوايك (جمع بايكة)، وفيه أهراء كبيرة لخزن الحبوب، وكثير من الخانات والأحواش لربط الدّواب والجمال ولإيواء الغرباء، و معامل متعدّدة لأعمال مختلفة، وكالنسيج والحياكة، والنّشاء.. اشتهر الميدان لكونه طريق محمل الحج؛ حيث ازدحمت ضاحية الميدان قديماً بالجموع الغفيرة المغادرة والعائدة من الحج. مما زاد من أهميّته الاقتصادية، لما يرافق هذه المناسبلت من ازدهار للأسواق الموسمية الحافلة بمظاهر مختلفة وحركة اقتصادية كاملة، مما أفرز مهناً دائمة ومختلفة على مدار المواسم.


يقول المعمر الميداني "فهد القويدر" تسعين عاماً:  لم يحظ حي الميدان حتى اليوم بدراسة تاريخية وافية تلخّص مسيرته الحضارية عبر العصور، وتحصي ماتبقى من أوابده المعماريّة المهمّة، وتتقصّى تاريخه الشعبي ودور أهم عائلاته في سيرة دمشق، على صعيد العلم والدين والتربية والجهاد والفنون والصناعة والاقتصاد.  قبل أن تضيع بقيا الذكريات ممّن تبقوا من شيوخ الميدان الذين عاصروا بدايات القرن العشرين.

يقول الأستاذ أحمد الحبش سبعين عاماً، يُقسم حي الميدان في عُرف أهله إلى ثلاثة أقسام  الميدان التحتاني مما يلي باب المصلّى، ثم الميدان الوسطاني، وبعده الميدان الفوقاني عند بوابة الله. ويشقّها طريق الحج المعروف باسم "الدرب السلطاني". وفيما يلي ذكر لبعض حارات وأحياء الميدان.
 قسّمت المدينة إدارياً إلى ثمانية أثمان أواخر العهد العثماني، فكان ثُمنان منها يشملان حيّ الميدان: التحتاني والفوقاني.  وصفهما مصدر معاصر، عبد العزيز العظمة؛ ثُمن الميدان التحتاني فبدايته من السّويقة، ويشمل بداية الدرب السّلطاني، وخان المغاربة، وزقاق الأربعين، وزقاق  الأورفه لي، وزقاق النقشبندي، والقبّة الحمراء، والتّيامنة، وباب المصلى، وزقاق القملة، وقاعة النشا (تسمى القاعة اليوم اختصاراً)، وزقاق الموصلي، والتنورية، والقرشي، والعسكري، والمحمص، وزقاق البصل، والقبيبات". فيه جامع النارنج وجامع صُهيب (تربة أراق)، وجامع الزاوية، وجامع القوّاص، وجامع الرفاعي، وجامع منجك، والكريمي (جامع الدقاق اليوم)، ومدرسة الخانكيّة( محكمة الظلم، التي كانت بمثابة القصر العدلي اليوم) ، ومدرستان أميريّتان للبنين والبنات.

ليقول من أشهر أسواقه سوق الجزماتية الممتد إلى بوابة الله (باب مصر). ويضم من الأحياء والمحال: سوق الجزماتية، الحقلة، ساحة عصفور، ساحة بحصيص، والراقية، وزقاق الطالع، وزقاق البرج، وزقاق الماء، وزقاق أبي حبل، والمشارقة، والحارس، والجمّالة، والقلاينية، والنصار، وزقاق قيصر.

وفي الميدان الفوقاني: جامع الدقاق، وزاوية الشيخ سعد الدين الجباوي، ومسجد العسال وحمّام الجديد، وحمّام الدّرب، وحمّام التّوتة، وحمّام منجك، وحمّام الرّفاعي. ثم معمل السكة الحديدية الحجازية (أي المحطة وورشاتها)، ومحطة سكة حديد بيروت وتمديداتها، وثكنة المتطوّعة، والثكنة العزيزية.

اشتهر من أهل الميدان عدد من الأسر العريقة حسب الأستاذ زياد الملقي: كآل العابد، سكّر، البيطار، الحكيم، المهايني، دعبول، حبنّكة، النّوري، حتاحت، الرّفاعي، الجباوي، الحملي، سرحان، خطّاب، الميداني، الصبّاغ، السّاسة، الغبرة، البرغلي، أبو حرب، سحلول، الموصللي، الملقي...  ليعقب: ظهر في حيّ الميدان ثلّة من العلماء الأئمة، منهم: المجاهد الشيخ محمّد الأشمر، الذي نفته القوات الفرنسية خارج دمشق. العالم والفقيه عبد الغني الغنيمي، ومنهم الشيخ حسن حبنّكة الميداني، والشيخ حسين خطاب، والشيخ محمد كريّم راجح، كما أقام بينهم وما زال عدد كبير من العلماء الأفاضل.



وحول التّراث الشعبي، ارتبطت بحيّ الميدان صفات النّخوة والكرم والحميّة والشجاعة، وما زالت هذه العادات الدمشقية العريقة قائمة في حي الميدان بجميع عاداتها وتقاليدها الأصيلة، وأخلاق أهلها وتكافلهم الاجتماعي، والتّرابط في جميع الظروف، والميل الكبير إلى الحشمة والتديّن، لكونه موئل للأصالة، وعنوان لكل ما يخصّ ماضي دمشق وتراثها وجوهرها الأصيل.

يتميز حي الميدان بمطبخه العريق، حيث تكثر اليوم محلات الطبخ والحلويات والمطاعم، التي تقدّم الأطعمة من كافّة الأنواع والألوان الشرقية والغربية. وما زال أهل دمشق يفضّلون ابتياع أصناف الحلويات الشاميّة اللذيذة الشهيرة..  يُضرب المثل بالـ "العزيمة الميدانيّة".

وعليه يكون حي الميدان احد الأحياء القديمة والعريقة بدمشق، واكب تاريخ تطورها العمراني والاجتماعي،  ليكون معلماً ن معالم حضارتها وتراثها. عرف أهله بالجود والنّخوة والكرم والشجاعة، والمحافظة على شعائر الدين ومكارم الأخلاق..

 

"حسيبة الشريجي الطياع" سر من أسرار دمشق

"حسيبة الشربجي"1863-1962م-  مدرسة للفن التراثي الدمشقي
عملت السيدة حسيبة طيلة حياتها على تثبيت فن الحبك الدقيق، في أذهان من يريد تعلم هذه الحرفة الدمشقية المتميزة، هي حسيبة بنت محمود الشربجي زوجة عبد الرحيم الحفار الطباع، دمشقية الأصل، امتهنت مهنة التطريز في سن مبكرة، لتكون من أوائل السيدات الدمشقيات اللاتي، عملن في  تعليم فتيات المحلة والمناطق المجاورة فن تطريز "الصرمة" وهو عبارة عن رسومات وكتابات مختلفة، ترسم يدوياً، ثم تثبت على القماش، ليبدأ العمل المضني،  بلف القصب على الحرف مع القماش ليصبح نافراً.
 في ذلك الزقاق الضيق من جادة قصر حجاج، عاشت السيدة حسيبة، كانت كبنات جيلها لاتجيد القراءة والكتابة، إلا أنها استطاعت بذكائها، أن تنطق الشعر بالإضافة إلى إجادتها حرفة التطريز، بدأت في منزلها في محلة قصر الحجاج، زقاق المعازة، السيدة حسيبة رحلتها، فافتتحت  ورشة تعليم صغيرة، ومالبث عدد الراغبات في التعلم بالازدياد، كانت عدتها  قوالب للطباعة على القماش، محفور عليها ورود وأشكال هندسية متعددة، أو آيات من الذكر الحكيم، وهي الرسوم الشرعية التي يمكن التعامل به.
يقول حفيدها السيد محمد الحفار الطباع[1]: قامت في عشرينيات القرن الماضي بين عامي( 1927- 1929م) بخياطة وتطريز ثوب الكعبة ونقله إلى الحجاز، حيث قدمته كهدية إلى الكعبة المشرفة، وهو ثوب ينوء عن حمله جوز من الجمال صنع من المخمل الحريري الطبيعي، واسعملت للتطريز بخيوط حرير ملفوف عليها خيط من الذهب. وكان عمرها حوالي ستين سنة، كذلك خاطت جدتي حسيبة،  ستر مطرزة بخيوط الذهب والفضة، لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وعليه قابلت الملك عبد العزيز آل سعود في قصره هي وولدها حسن، الذي أثنى على العمل وقام بإهدائهم هدايا تذكارية قيمة. وفي طريق العودة، قابلت سلطان باشا الأطرش في مضافته لحل بعض الاشكالات بين المواطنين في تجارتهم بين دمشق والسويداء.
ليقول: كانت متكلمة وقارضة للشعر المحلي "زجل" وكانت تستخدم الأمثال في جلّ حديثها، ومن الأمثال التي حفظت منها المئات أو أكثر؛ مع انها كانت أميّة لا تعرف القراءة أو الكتابة،  إلا أنها كانت تجتمع بمجالس كبار رجال العائلة والأقرباء وتقوم بحل مشاكلهم وكانت ذات نشاط اجتماعي منقطع النظير، وبعد وفاتها رثاها ولدها حسن بقصيدة قال فيها:
رواية شفوية كانت السيدة حسيبة تجلس لساعات طوال وهي ترسم بأناملها المتعبة آيا ت من الذكر الحكيم وأدعية و تعمل بشكل متقن في حبكها بخيوط القصب الفاخر على أنواع من القماش حسب الطلب، لترسلها فيما بعد إلى تاجر معين من آل الطرابيشي يتولى هو بيعها.
 تعد بحق مثالاً يحتذى عن سيدات دمشق الطموحات اللاتي عملن جاهدات لتطوير حرفة التطريز اليدوي الذي شاع منذ أواخر الفترة العثمانية وإلى أواخر الستينيات، فلم يخل بيت دمشقي، أو جهاز عروس من قطعة أو قطعتين من تلك المطرزات التي تنوعت حسب استعمالاتها، من المناشف، ذات الرسوم الجميلة على أطرافها ، وانتهاءاً بأغطية الأسرة الحريرية المطرزة بالخيوط الفضية والذهبية، إلى البقج التي علقت اليوم كلوحات أثرية لتذكر بأصحابها، وغير ذلك كثير، كانت السيدة حسيبة واحدة من تلك السيدات اللاتي عملن بصمت، ولكن بروح إبداعية عالية، وردن فن دمشقي رائع للمدن السورية، داخل الوطن، ولكل متلمس لروح جمال هذا الفن الدمشقي الزاخر بالجمال خارج الوطن.
 فاق حسن ماقدمت الحدود، ويمكن القول، بأن أعمالها باتت لوحات فنية تناقلتها الأجيال لدقة صنعها وبهاء النظر إليها،  وكانت للملك سعود بن عبد العزيز، تضمنت أشياء كثيرة، قطعة منها آيات كريمة للكعبة المشرفة، والقسم الآخر رايات جميلة، وحسب الراوية، بات اسم السيدة حسيبة، على كل لسان، ونحن اليوم نذكر بها كفنانة موهوبة، عملت بصمت ولكن نتاجها الفني تكلم بالنيابة عنها، من خلال رؤية الجمال في عيون الناظرين للقطع الفنية التي قدمتها طوال سني عملها.
 أفادت السيدة مها الأشقر،  المقيمة في الولايات المتحدة اليوم، بأنها تعلمت التطريز في مدرسة اللورد على يد السيدة حسيبة، وما زالت تتذكرها، إلى يومنا هذا، لتقول مازلت أطرز بعض أشياء أتذكر معلمتي وأنا أشتغلها.
 عاشت السيدة حسيبة في زقاق حجاج وكان بيتها بجوار منزل الشيخ أحمد الأزهري زوج السيدة صفية بنت الشيخ العلامة عبد المجيد الخاني، وماكتب منقول شفهياَ عن الأستاذة عفت زكريا، الصوفية الدمشقية، الباحثة في الطرق الصوفية.
عاشت السيدة حسيبة الشريجي الطباع، في زمن آخر، وثقافة مختلفة عن ثقافة الجيل الذي نعيش فيه، ولكنها كانت موجودة، من خلال البحث عن حياة مشرقة، لمن أبهجت عيون من نظروا إلى فنها.
من غرائب الأمور: بأنه عند زيارة قبر السيدة حسيبة الشربجي الطباع، وجدت قبرين لسيدتين تحملان نفس الاسم، ولكن ماميز المترجم لها، وجود حفيدها، الذي يعمل في مهنة الدفن، التي ورثها عن أجداده، ولن أقف ند هذا الحد فالغريب أن الحسيبتين، قد عملتا في تعليم فن التطريز، ردحلاً من الزمن.
 
 
ِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


[1] - محمد الحفار الطباع، درس السيد محمد في مدارس دمشق، ونال الثانوية التجارية، عمل في المحاسبة في دوائر حكومية، وشركات خاصة، ارتحل إلى إنكلترة حيث قضى فيها سنوات عدة، عاد إلى دمشق والتحق بمهنة أبيه حتى لاتخرج العائلة من المهنة.

آل يعقوبيات دعامة من دعامات التطور السوري

عندما ضرب الموت ضربته أخذت آلاف العائلات الأرمنية بالنزوح عن ديارها طلباً للنجاة، اشتدت وطأة الحكم التعسفي التركي فلم يخل بيت من مفقود أو شهيد ليصبح الجزاء جماعياً فتشتت جموع كبيرة من الطائفة الأرمنية التي باتت تحت الجزء المباشر لم يرحم الاتحاديون الأتراك صفيراً ولا كبيراً فبات الكل هدفاً مباشراً للقتل وعليه تضاعفت أعداد تاركي الأرض والديار في ظل ملاحقة شرسة.
في ظل هذه الظروف كان لابد من الرحيل من منطقة مرعش ( كيليكا) حيث جمعت الأسرة اليسر اليسير من متاعها واحتضنت العمة أبناء أخيها التي طالته يد الإثم في فترة سابقة لتبدأ رحلة اللاعودة الشاقة بين دروب الجبال الوعرة في ظل ملاحقة ملك الموت الذي بات ينشر أشرعته في مكان، وضحت المأساة من خلال الصور التي وثقت ماحل بالأرمن على مدى عقود متتابعة لم يميز الأتراك الاتحاديين بين امرأة مسنة أو طفل صغير أو شيخ كبير فقتلت الرجال وسبت النساء وشردت ويتمت آلاف الأطفال هذا كان الحال فإما الموت أو الفرار.
وعليه حضنت العمة أولاد أخيها نظريت ١٨٨٢-١٩٧٢/ وأوديس يعقوبيان١٨٨٨-١٩٥٦واتجهت نحو الجنوب ليصلوا حلب وقتها حيث بات الجميع تحت أنظار جمال باشا قائد الجيش العثماني الرابع، الذي أوعز إلى الجمع بترك حلب والتوجه إلى الشام وفي رحلة شاقة وصل الجميع إلى دمشق حيث الاستقرار الأمان
وفي دمشق عمل  الأخوان نظريت وأوديس بصنعة الزخرفة على النحاس التي أخذاها عن والدهما الذي اشتهر ببراعته بالحفر على النحاس في مسقط رأسه مرعش، إلا أن ظروف الحرب العالمية الأولى أدت إلى تراجع الحرف اليدوية مما أجبرهما على الاتجاه إلى عمل آخر، فأسسوا معمل للسجائر إلا أنهم لم يقنعوا بأرباحه، وعندما واتتهم الفرصة أسسوا شركة صغيرة للمقاولات وانخرطا في ظل وزارة الأشغال العامة عام ١٩٢٣م بأعمال إنشائية بسيطة، ونظراً  لما تحلوا به من أمانة ومصداقية بدأت العروض تنهال على الشركة الفتية التي حملت اسم العائلة للمقاولات.
بين عامي ١٩٤٣- ١٩٤٧ أنتخب نظريت يعقوبيان نائباً في البرلمان السوري الذي نفذ بناءه، وأشرف على ترميمه بعد أن قصفته القوات الفرنسية عام ١٩٤٥.
وبالعودة إلى الأعمال التي أنجزتها الشركة منذ بدايتها فهي حسب فترة انجازها الزمنية.
البنى الرئيس لجامعة دمشق وصالة الاحتفالات ١٩٢٩، طريق دمشق القنيطرة ٦٦كم.
انفصلت الشركة عام ١٩٣٠م عن  وزارة الأشغال لتبدا بتنفيذ أعمالها المستقلة ببناء المشفى العسكري الكبير. التجهيز الأولى، وزارة، الثكنات العسكرية، بناء الجمارك، القصر العدلي، فندق سميراميس، الجامع الكبير في تدمر، قصر حسن باشا الأطرش ١٩٣٦ في السويداء، طريق سويدا  أزرع 1940.  بناء وزارة المواصلات ١٩٤٣ ترميم المجلس النيابي ١٩٤٥(حيث نفذ العمل بتكلفة أربعين ألف ليرة عوضاً عن مئة وخمسين ألف عرض قدمته شركة إنكليزية للمقاولات، ١٩٤٦ بناء مبنى الشركة الخماسية بالقابون، طريق دمشق السيدة زينب ٨ كم، القصر العدلي. ١٩٤٧ طريق أبو رمانة ٣ كم، طريق عين الفيجة وادي بردى، طريق فيق الحمة في الجولان ٩ كم، طريق الجولان الحدود اللبنانية،١٩٥٠ خنادق لتركيب خط انابيب شركة التابلاين الأمريكية ١٩٥١ ، شارع عدنان المالكي ٤ كم١٩٥٣ وفي نفس العام تم تنفيذ مباني معرض دمشق الدولي، تنفيذ مبنى السفارة السعودية بأبو رمانة، تنفيذ إنشاءات لشركة آي بي سي الإنكليزية بالقرب من تدمر، تنفيذ ساحة الامويين والعباسيين عام ١٩٥٦.
لتبدأ المرحلة التي عمل فيها الجيل الثاني من آل يعقوبيان في مجال التعهدات.
أفديس وآغوب للتنفيذ ونظريت للإدارة ليبدأ العمل في تجفيف مستنقعات سهل الغاب، وتغيير مجرى نهر العاصي، وفي نفس العام شقت الشركة أوتوستراد المزة المؤدي إلى مطار المزة، كذلك بدأ بتنفيذ شبكة للمياه المالحة في المزة، إنشاء ٤٠٠٠ متر مربع في أرض المعرض، وفي عام ١٩٦٠ تم إنشاء مبنى مركز الطاقة في مدينة دمشق بمتطلبات هندسية معقدة، وفي ١٩٦١ تم إنشاء سد جسرين على العاصي، عام١٩٦٤ أجرت الشركة دراسة لسبر الأرض وتمديد شبكة جديدة للمياه عام ١٩٦٥فتح اوتستراد وشق طريق المطار بطول ٣٥ كم .
اتسعت أعمال الشركة مما تطلب زيادة  وتنوع في اختصاصات القائمين على العمل ليظهر كل من السادة ليون وأبديس وقارنيق وفارتاكيس نظريت يعقوبيان الذين أتم أغلبهم دراستهم في مجالات الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت وليحصل ليون على دكتوراه في مجال اختبارات التربة من الولايات المتحدة الأمريكية وليعود إلى أرض الوطن للانخراط في العمل من جديد بخبرات جديدة.
توقيع عقد مع شركة باتينيول لتمديد خطوط الاتصالات الهاتفية، في عام ١٩٧٠ وقع قارتيق عقد لبناء صوامع للحبوب في كل المحافظات السورية حيث تم أنشاء أربعة عشر مركزاً، لتمتد أعمال الشركة إلى الأردن حيث استحقت الشركة الوسام الأردني الملكي لقاء الخدمات المقدمة، قدم  من الملك الحسين عاهل الأردن، في عام ١٩٧٥ أنشأت الشركة جسر الرستن بعرض ٣٦ متر من الحديد والبيتون وعلى الجانبين تم تنفيذ طرق جانبية بطول خمسة كيلو مترات، تنوعت أعمال الشركة فقامت بتعبيد ومد الإسفلت على٣٥٠ كيلو متراً طريق دمشق حلب إنشاء أوتستراد الرستن سراقب، في عام ١٩٨٥ إعادة تأهيل طريق معلولا حمص بطول١٠٠ كم، بناء سفارة الإمارات، بناء مشفى الأسد الجامعي (ليون وابنه فاسكين وابن عمهم بيرج) بالإشتراك مع شركة ألمانية، تنفيذ ضريح الجندي المجهول بين عامي١٩٨٥- ١٩٩١، إنشاء فندق الشام في دير الزور،  قام فاسكين بتنفيذ مبنى سفارة قطر في دمشق عام ١٩٩٧، ومع اتساع اختصاصات الشركة غادر سوريا بعض أفراد العائلة ليتابعوا دراساتهم في مجالات الطب والصيدلة والهندسة المعلوماتية.
محطة الناصرية لتوليد الطاقة الكهربائية،2005-2008 بالقلمون التحتاني تبعد عن جيرود حوالي 10 كم على الطريق الواصل بمدينة الناصرية.
 قامت شركة يعقوبيان للمقاولات مع شركة نادر وخلدون أتاسي، بالعمل بين عامي 2005 - 2007 بمشروع توسعة محطة الناصرية للطاقة الكهربائية من خلال توسعة مشروع سكن العاملين بالمحطة ب 8 مباني سكنية طابقية من مدخلين، وكل بناء بأربع طوابق + أرضي، المشروع كان متكامل الأعمال من كل النواحي الإنشائية و المعمارية و بإشراف مباشر من شركة كوخ و سيمنز الألمانيتين و تحت إشراف وزارة الكهرباء، و بأحدث الشروط و الوسائل المطلوبة في هكذا مشاريع مع بنى تحتية كاملة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي و خزان مياه عالي خاص للسكن و خطوط صرف صحي و مولدات كهربائية و محطات مياه التدفئة و نادي رياضي و أربع فيلات و طرقات معبدة و أرصفة ...
و ترافق المشروع مع توسعة المحطة الكهربائية الأساسية من خلال تزويدها بعنفات أساسية و برج تبريد ضخم و مباني ملحقة مثل مبنى الكيمياء والمختبرات ومبنى التحكم و الطاقة المولدات وما يرافقها من أعمال إنشائية وميكانيكية و كهربائية ومدنية ومعمارية و أيضاً إعادة تأهيل للبنى التحتية و الطرقات داخل المحطة و أيضاً محطات معالجة و خزان ماء عالي للمحطة و ربط بين السكن و المحطة بخطوط الكهرباء والمياه والصرف والطرقات، تحت إشراف المقاول الرئيسي شركة كوخ و سيمنز الألمانية ووزارة الكهرباء.
مشروع الفيلات الرئاسية مقابل قصر المؤتمرات بجانب مدينة المعارض الجديدة بجانب نادي دمشق العائلي، وهو مشروع كامل لبناء وإكساء 26 فيلا رئاسية لاستضافة رؤساء الدول العربية أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية بدمشق وكان برعاية و تمويل شركة الديار القطرية، تم حفر وتنفيذ الفيلات وإكساؤها مع كامل البنى التحاية من شبكات صرف ومياه حلوة وكهرباء وطرقات وحدائق ومباني ملحقة وتصوينة محيطة بالمشروع، الفيلا الواحدة عبارة عن طابق واحد نفذت وبالتعاون مع شركة الاتحاد العربي للبيتون المجبول، ولضيق الوقت أحضرت الأسقف البيتونية مسبقة الصب، بطريقة البيتون مسبق الإجهاد من لبنان،  وللسرعة تم تقطيع غرف الفلل من الداخل بالجدران الاسمنتية الخفيفة سيمنت بورد وتمم الإكساء الداخلي والخارجي.  ترافقت الأعمال الداخلية مع أعمال البنى التحتية من خطوط الصرف الصحي الرئيسة والفرعية والمياه الحلوة والكهرباء ثم فتحت الطرقات و نفذ الزفت وفرش عشب الحدائق الكازون بطريقة الرولات، زراعة الورد و الأشجار.
تقوم حالياً شركة يعقوبيان بتوسعة مشفى الأسد الجامعي.
اهتمت الشركة بالأعمال الخيرية فشاركت في أعمال ترميم العديد من المساجد والكنائس بالإضافة إلى التبرع في بناء نادي الشبيبة الأرمنية إنشاء مآذن مسجد السيدة زينب بطريقة القوالب المنزلقة.
من أهم العاملين في مجال التنفيذ المهندس آغوب يعقوبيان١٩١٥-٢٠٠١ المشرف العام على أغلب مواقع المنشآت المنفذة.